Site icon IMLebanon

حيادٌ à la carte

 

 

يتمتّع السياسيون في لبنان بقدر لا بأس به من الخبث والباطنية وبموهبة التشاطر والتكاذب والتذاكي، فباسم الواقعية السياسية قبِل خصوم “حزب الله”، وحلفاء المصلحة، ويقبلون بثلاثية الشعب والجيش والمقاومة في البيانات الوزارية، بعد “كم ضربة ماكياج” و”تخريجات” لغوية وبهلوانيات. فلا الشعب كله، ولا حتى نصفه، يقف خلف المقاومة الإسلامية في لبنان، ولا الجيش سُئل مرة إن كان يقبل بالشراكة الميدانية والعسكرية مع ” حزب الله”، ولا المقاومة نفسها مقتنعة بأن أولاد كسروان والطريق الجديدة وبعقلين وزغرتا والأشرفية، مقتنعون بتلك الثلاثية المجسدة لمظهر من مظاهر ضعف الدولة واستقواء الخارجين عنها، ومع ذلك يتبارى المتبارون الشيعة في تقديم الثلاثية كوصفة سحرية لانتصارات لبنان وديمومته.

 

وفي مسألة الحياد، يتبارى المسيحيون قبل شركائهم، في امتداح الحياد وإفراغه من مضامينه وجوهره، مستعملين ما توافر من مهارات “وطنية” كي لا “ينقز” الثنائي الشيعي ومن يقف خلفه، وتفرط الوحدة “الواقفة على صوص ونقطة”، فطمأن مؤيدو الطرح المثالي، إخوتهم الخائفين والمتوجسين إلى أن المقترح ليس حياداً بين حقّ وباطل أو بين الخير والشر، من دون أن يوضحوا المعايير التي تحدد خير الأمم من شرها؟ أو من المستكبر ومن المستضعف؟ كما شددوا على الحياد بمعناه الإيجابي، ليس حياداً تجاه قضايا الشعوب العربية المحقة، ما يطرح سؤالاً إبن ساعته: هل نقف كحياديين، مع مطلب جبهة البوليساريو في حق تقرير المصير؟ أو مع سياسة المغرب الشقيق الملتفّ على حقوق الشعب الصحراوي؟

 

هل يفترض الحياد الإيجابي أن يستنكر لبنان قصف الطيران السُعودي لمواقع حوثية (إن تجدد) وأن يسكت على القصف الصاروخي الحوثي لمنشآت سعودية (إن تكرر)؟

 

أو أن يدين لبنان الجرائم العنصرية في أميركا ويسكت عن إنتهاكات إيران المتمادية لحقوق الإنسان وحريته ؟

 

والحياد الذي يدافع عنه البعض بخجلٍ كما لو أنه نقيصة، يفترض برأيهم دوام العداء للكيان الغاصب المحتل لفلسطين ولتلال كفرشوبا ولقرية الغجر ولهضبة الجولان حتى قيام الساعة، ويتناسى هؤلاء أن الديبلوماسية اللبنانية، ومع خضوعها طويلاً (والمستمر ربما) للوصاية السورية، وفي عز الحروب والمواجهات مع العدو الصهيوني، بقيت على تمسكها باتفاق الهدنة. أوليست الهدنة، الموقعة في 23 آذار 1949 في الناقورة، بين لبنان وإسرائيل تصب في مصلحة الحياد والمنادين به؟

 

بالعودة إلى الدينامية التي أوجدها الطرح البطريركي المدعوم غربياً وفاتيكانياً، وبمعزل عن مفاعيل هذا المبدأ الرومنسي المدغدِغ للمشاعر، فالقوى السياسية، كما الفئات اللبنانية المتنافرة المستنفرة كديكة جاهزة للعراك، فإن قبلت بالحياد الإيجابي مع بهاراته ومطيباته، فسيكون القبول متوافقاً مع نظرتها إلى الكيان اللبناني، بمعنى آخر سنكون أمام حيادٍ à la carte.