من المعلوم أن لبنان ومنذ القرن التاسع عشر أقله يملك علاقات قوية ومتينة مع دول الغرب وعلى رأسها فرنسا والولايات المتحدة الأميركية. وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية وصفت واشنطن موسكو بالممثلة لمحور الشر، وذلك سعياً منها إلى السيطرة الأحادية القطب على مقدرات وثروات العالم، رغم أن موسكو كانت قد أنشأت جمعية أنصار السلم في الوقت الذي دعمت فيه بريطانيا وواشنطن جماعة «الأخوان المسلمين» لمحاربة الفكرين الشيوعي والناصري القومي العربي.
إذاً منذ زمن بعيد والسياسة الغربية تتحكم بجزء هام من القرار اللبناني، فالارساليات الأجنبية وجدت في القرن التاسع عشر والاغتراب اللبناني متواجد في دول الغرب منذ نهاية ذلك القرن، ويمكن لنا أن نتقصى عن المزيد من الحقائق حول هذا الموضوع إذا اطلعنا على بعض الكتب القيمة ككتاب «المسألة المارونية» لنصري سلهب، و«المتاهة اللبنانية» لرؤوفين أورليخ، و«ديبلوماسية اسرائيل في لبنان» لكريستين شولتزه، و«عدو عدوي» للورا ايزنبرغ، و«صلات بلا وصل» للكاتب والمؤرخ فواز طرابلسي.
وبمناسبة زيارة وزير خارجية فرنسا إلى لبنان جان ايف لودريان وافتتاحه الزيارة بقوله «ساعدوا أنفسكم لنساعدكم»، كان الحري بمعاليه الفوز بالجرأة عبر القول «المطلوب نزع سلاح حزب الله لنساعدكم»، وأقول هذا لأن موقع canal 23 الفرنسي كان قد ذكر بأن مصادر دبلوماسية أوروبية رأت أن التزامن بين موقف وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو وموقف لودريان لم يأت من قبيل الصدفة وانما جاء تتويجاً للأجواء التي سادت اللقاء الرباعي الذي عقد مؤخراً في الفاتيكان بتاريخ 10 تموز 2020 وقد تمكن من اظهار تناغم الموقف بين واشنطن وباريس ولندن لناحية ارادة العواصم في تشديد الضغط على حزب الله لارغامه على نزع سلاحه عقب انهاكه، وبما أن اللقاء عقد في الفاتيكان بين ممثلي الدول الأربعة بتنا ندرك لمَ انبرى البطريرك الراعي ودعا إلى حياد لبنان.
من هنا سؤال يبرز على بساط البحث ومفاده كم سيصمد حياد لبنان في حال تم اعتماده؟
لنكن منطقيين ونقر ونعترف بأن واشنطن هي من فرضت من جديد لعبة صراع المحاور في لبنان وسوريا والعراق وفنزويلا وفي كل بقعة جغرافية من أنحاء المستديرة أبصر فيها النور النفط والغاز والمياه، وأقوال القادة والرؤساء الأميركيين الذين يتربصون للانقضاض على ما يعتبرونه حقاً مكتسباً لهم والمتمثل بالمغانم كما يسمونها أي ثروات غير الساطعة كنور الشمس لا تبارح مكانها إلا عند موعد استراحة المحارب، ومن يقرأها سيقتنع حتماً بأن عاصمة السوبرمان هي من أدخلت لعبة صراع المحاور إلى ربوع زاخرة ومكتظة بالثروات.
فعلى سبيل المثال لا الحصر عندما قيل لتوماس فولي رئيس لجنة تطوير القطاع الخاص في العراق بأن الخصخصة مخالفة للقانون الدولي، رد قائلاً «لا آبه لشيء من هذا القبيل لأنني لا أقيم وزناً للقانون الدولي ولأنني تعهدت للرئيس بخصخصة مشاريع الأعمال في العراق».
أما الرئيس دونالد ترامب فيهدف إلى السيطرة على فنزويلا من أجل حصار الصين وحرمانها من مصادر الطاقة وخصوصاً الغاز والنفط اللذان تحصل عليهما من فنزويلا وايران.
أما بالنسبة للنفط السوري فقد قال الرئيس ترامب في 4 كانون الأول 2019 بعد لقاء جمعه بالامين العام للناتو يانس ستولتنبرغ في لندن قبل قليل من افتتاح قمة حلف شمال الأطلسي في العاصمة البريطانية «لقد حاول داعش بسط سيطرته على النفط السوري، أما الآن فأصبحنا نحن الذي نسيطر عليه بشكل تام».
يُذكر بأن موقع الخليج أون لاين كان قد أفاد بتاريخ 10 تشرين الثاني 2019 بأن ترامب قال في أكثر من مناسبة عن نفط الشرق الأوسط: «نعم سأضع قوات أميركية لحماية شركات النفط في العراق وسنأخذ نفط العراق بالكامل». وكيف يمكن أن نتناسى بأنه سبق للرئيس جيمي كارتر أن قال «لو أن الله أزاح النفط قليلاً عن المنطقة العربية لكانت مهمتنا أسهل بذلك بكثير»!
إن هذا المنطق الأميركي الذي تقوده النبؤات التوراتية والطامح إلى انشاء حكومة واحدة تحكم كل انحاء المستديرة دفع بالأمور نحو الأسوأ، أي نحو تأجيج نيران صراع المحاور ما جعل معظم أحزاب فريق الثامن من آذار تدعو إلى التوجه شرقاً أي نحو الحلفاء لطلب المؤازرة من صديق لابعاد الضيق نتيجة استمرار العقوبات الأميركية الحادة وما نجم عنها في لبنان من غلاء فاحش وعوز شديد وهذا لا يعني بأن تلك الأحزاب في الأساس لا ترغب باقامة علاقات تجارية مع دول الغرب.
لكن بما أن منطق الاستعلاء والالغاء الأميركي هو الذي يفجر البراكين دوماً ارتأت «أي تلك الأحزاب» السير وفق مقولة الرئيس الخالد جمال عبد الناصر «نصادق من يصادقنا ونعادي من يعادينا».
وأذكر بان واشنطن تحاول اشعال فتنة سنية شيعية في العالم العربي تطبيقاً لوصية جون فوستر دالاس وزير خارجية أميركا الأسبق. لكن وبالمناسبة أذكر بأن الرئيس عبد الناصر العربي والمسلم السني هو من بدأ بدعم الثورة الاسلامية في ايران، والمطلوب قراءة كتاب عبد الناصر وثورة ايران لمؤلفه فتحي الديب لم يكن عند الرئيس عبد الناصر أي هاجس من هلال شيعي أو ولاية فقيه انما هذه الشعارات تسعى أميركا لبثها في النفوس البريئة المفتقرة إلى الثقافة سعياً منها لتقسيم العالم العربي إلى 52 دويلة عربية متناحرة تنفيذاً لوصية برنارد لويس.
وأختم بالقول بأن الخبير المتخصص في الشؤون الاقتصادية الصينية محمود ريا قال لوكالة سبوتنيك بتاريخ 13 تموز 2020 انطلاقاً من مبادرة الحزام والطريق التي قدمتها الصين يمكن القول بأن الصين ستجني افادات كبيرة جداً جراء هذه العملية بما يساعد لبنان على تحسين وضعه الاقتصادي بشكل كبير، في مقابل تمكين الصين من ترسيخ نفوذها في منطقة غرب آسيا ويوضح ريّا بأن الصين تعتبر أن لبنان دولة مهمة في منطقة غرب آسيا ورغم صغر مساحته فإن قدرات أبنائه التجارية قوية وهذا ما يؤهله ليكون البوابة الصينية باتجاه المنطقة العربية واوروبا أيضاً.
لذا نرى واشنطن قلقة من محاولة اتجاه لبنان شرقاً ما يعني أن الصراع مع الغرب طويل ومرير ولا يمكن أن يكون للحياد مكان في مجلسه وعلى جبهاته وخلف أكماته.