حديث الحياد ليس جديداً في لبنان. لا في اطار القانون الدولي، وقد تكررت الدعوات منذ الخمسينات وأحدثها دعوة البطريرك الماروني بشارة الراعي. ولا في اطار التوافق على تحييد لبنان عن صراعات المحاور: من معادلة “لا مقر ولا ممر” في الميثاق الوطني الاستقلالي، الى “النأي بالنفس” وصولاً الى “اعلان بعبدا” الذي أيده مجلس الامن الدولي وتراجع عنه “حزب الله”. الحياد القانوني على الطريقة السويسرية يحتاج الى تكامل موقفين: موقف داخلي جامع يرى في اعلان الحياد ضرورة وطنية. وموقف خارجي جامع يرى فيه مصلحة وفائدة. والتحييد السياسي يحتاج الى وفاق وطني على ابقاء لبنان خارج النار المشتعلة في المنطقة.
وفي الحالين، لا بد، كنقطة انطلاق، من وجود دولة تستحق اسمها، لا مجرد سلطة. فلا معنى لحياد أو تحييد شبه دولة. ولا حماية لأي حياد أو تحييد إلا ببناء دولة مواطنة قوية. ونحن اليوم في وضع أخطر بكثير من أي وضع سابق قاد الى دعوات الحياد. ولا شيء يوحي ان الظروف في الداخل والخارج صارت ناضجة.
ذلك ان من الصعب الهرب من الأسئلة التي تطرحها التحديات امامنا. هل نريد أو نستطيع تجاوز شعار “قل كلمتك وامشِ” الى واقع قل كلمتك وقف دفاعاً عنها؟ كيف يأخذنا المجتمع الدولي بجدية في موضوع مثل الحياد القانوني حين يرانا رافضين أو عاجزين عن القيام بالاصلاحات المطلوبة لبدء انقاذ لبنان؟ وكيف نتوقع من “ثنائية السلطة” في العهد ان تمشي بمشروع “استراتيجية جيوسياسية ” وهي تتجنب حتى الحوار حول استراتيجية دفاعية؟
الواقع ان الحديث عن الحؤول دون اخذ لبنان الى “محور الممانعة” هو نوع من تجاهل الواقع. فالوطن الصغير صار، ليس فقط داخل المحور بل ايضاً من العاملين له عبر الدور العسكري والامني والاقليمي لـ”حزب الله”. والتحدي حالياً هو استعادة لبنان الى موقعه العربي الطبيعي المنفتح على الشرق والغرب، بعدما وصلنا الى النص في مقدمة الدستور على انه “وطن نهائي لجميع ابنائه”. وهذا يعني القطع مع المشروع الايراني، بدل القطع مع تاريخ لبنان وجوهر وجوده.
وحين يقال ان الحياد لا يعني انقطاع لبنان عن قضايا العرب ولا عن العداء الاسرائيلي، فان قضايا العرب لم تعد مقتصرة على القضية الفلسطينية كقضية مركزية.
وقديماً قال النفّري: “في المخاطرة جزء من النجاة”.