لا يمكن أن ينكر بتاتاً كل من سبر ومازال يسبر أغوار زواريب السياسة الإقليمية والدولية بأن أميركا دولة تستمد قوتها من سلاحها الفتاك الدولار العملة الصعبة الأقوى في العالم، وبأنها تمتلك نفوذاً هائلاً في أروقة ومطابخ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
ومن رحم الدولار الأميركي الذي يشكل عصب القوة الاقتصادية الأميركية والعالمية الهائلة تشن واشنطن دوما حروباً فولاذية من دون اراقة دماء على الدول الممانعة لها عبر فرض العقوبات الاقتصادية الحادة عليها. وبتاريخ 8 آب 2002 قالت وكالة «قدس برس» بأن دراسة قامت بها مجموعة من الباحثين الأميركيين لحظت أن العقوبات الاقتصادية على الدول ضاعفت من معاناة ومآسي شعوبها وأفرادها لدواعٍ استعمارية هدفت إلى فرض النفوذ وسلب الخيرات.
وبالعودة إلى موضوع صندوق النقد الدولي، أذكر بالقول لقد أمضى قسماً من وزراء الحكومة اللبنانية منهمكين أشهراً في الرهان على جلب الحل الناجع من صندوق النقد الدولي وكأن الآذان صُمّت أمام عشرات الدعوات الأميركية المتكررة القائلة بأن لا حل لأزمة لبنان ولا مساعدات له إذا لم يُنزع سلاح حزب الله، وقد تناسى الوزراء الكرام بأن كواليس قائد القيادة المركزية الاميركية الجنرال كينيت ماكنزي قد أكدت عبر مصادر عسكرية أميركية بتاريخ 8 تموز 2020 بأنه ينبغي على حكومة بيروت القيام بوقف نشاط الحزب ونزع سلاحه لأن أميركا تصنفه بالأرهابي، كما وسبق للسيناتور مايكل جونسون أن أكد في حديث لموقع the Washington beacon free أنه يتوجب عدم وهب لبنان المساعدات بعدما تمكن حزب الله من احكام السيطرة التامة على مقاليد الحكم في البلاد، فضلاً عن أن وزير الخارجية الاميركية مايك بونبيو كان قد أكد بتاريخ 13 حزيران 2020 بأن واشنطن على أتم الاستعداد لمساعدة أي حكومة لبنانية غير مؤيدة لحزب الله وترغب في نزع سلاحه، لذا ما ينبغي معرفته هو أن واشنطن وصندوق النقد الدولي اقترنا بزواج ماروني لا طلاق فيه ولا هجر.
وإزاء هذا الوضع المرعب والمضني والذي يعصف بالوطن والمواطن لا أبالغ إن قلت بأن احتمال لجوء حزب الله إلى فك الحصار عليه وعلى كل اللبنانيين من مؤيديه وأخصامه على حد سواء بسلاحه، بات خياراً ممكناً خصوصاً أن استمرار ارتفاع سعر الدولار الاميركي في السوق السوداء الجاري على قدم وساق بالتزامن مع استمرار ارتفاع القيمة الشرائية بشكل جنوني في مقابل انخفاض قيمة الليرة اللبنانية انخفاضاً مروعاً ممزوجاً باستمرار ارتفاع نسبة البطالة ومنسوب الانتحار مع تعملق تفشي أعمال السرقة جراء العوز الشديد، عوامل ان استمرت طويلاً فهي لا تصب بتاتاً في مصلحة الحزب.
وبالمناسبة فإن الكيان الاسرائيلي يستعد لإمكانية نشوب حرب قريبة مع الحزب منذ أشهر، ومن هنا أحيلكم إلى ما قاله الخبير العسكري الاسرائيلي عوفر يسرائيلي في مقالة له دونتها صحيفة «ميكور ريتشون» الاسرائيلية بتاريخ 5 كانون الثاني 2020 إذ يقول يسرائيلي إن حزب الله سيستخدم كل ما يتوفر في جعبته من الامكانيات العسكرية والقوة النارية التي أضافهما إلى قوته السابقة بعد العام 2006، وأشار إلى أن المنظومة الصاروخية التي يمتلكها الحزب ستستهدف المدن الاسرائيلية و الأهداف الحيوية ومواقع الجيش الاسرائيلي في تل أبيب وصولاُ إلى استهداف مواقع البنى التحتية كالأبراج ا الزجاجية في حيفا ومحطة الطاقة في الخضيرة وسيسعى أيضاً لاستهداف منصات الغاز والموانئ البحرية الاسرائيلية، لذا يضيف يسرائيلي المطلوب من اسرائيل قبل حدوث المحظور تدمير حزب الله بالكامل من الداخل اللبناني عبر هجوم اعلامي غربي ودولي يحمّل الحزب وزر الوضع المتدهور في لبنان وعدم الاستقرار الذي تشهده الدولة اللبنانية.
وبناءً على هذا والكلام ليسرائيلي، فإن المطلوب منع اندلاع الحرب ضد اسرائيل في جبهتين أو أكثر، وهذا يتطلب تدمير أكبر قدر ممكن من الترسانة الصاروخية التي يمتلكها الحزب لارغام مقاتليه على عدم الاستمرار في القتال.
وبدوري أقول لا غبار على أن ما يحدث على أرض لبنان يتمثل بصراع بين محورين جبارين، وفي كل الصراعات السياسية الحادة لا حياة للحياد بتاتاً، وحتى لو ناديناه لنحتمي به فسيقول لنا لا حياة لمن تنادون، فالسياسة صراع محاور ومصالح ومال وسلطة وظالم ومظلوم ومعتدٍ ومدافع وقلما تبتسم التسويات في بعض الأحيان لتكون شفيعة الأمور المستعصية.
أما دعوة السيد حسن نصر الله إلى التوجه شرقاً نحو الصين بالذات أمر بديهي إذ أن المرء يدعو أصدقاءه لمساعدته عندما يعاني من الضيق.
وهنا أتفهم دعوة السيد هذه إذ أن مجلة فورن بوليسي الأميركية قالت بتاريخ 9 تموز 2020 في تقرير موسع لها بأن دعوة السيد نصر الله إلى النظر شرقاً نحو الصين، قابلها التنين الصيني بايجابية شديدة إذ قال الخبير البارز في السياسة الخارجية الصينية تشين دنجلي أن الصين لا تحتاج من كل دولة تساعدها أن تسدد القرض لأن بكين يهمها أن تتحمل الكلفة بأكملها لتمسي قوة ناعمة عبر توسيع نفوذها الخارجي، وأضاف عندما كان الصينيون فقراء ساعدتهم أميركا ونحن نتذكر هذا، والآن باتت الصين في وضع مريح ومتين يسمح لها بمساعدة الآخرين، لذا نحن نرغب في أن تصبح الصين الولايات المتحدة القادمة.