هل يستطيع لبنان فصل نفسه عن “حزب الله” بحيث لا يتلقى تداعيات تصنيفه خليجيا وعربيا، ميليشيا إرهابية تتخذ في حقها إجراءات تصاعدية ليس واضحا اين يمكن ان تتوقف؟ هل يستطيع وضع خطة عمل يتفاهم من خلالها مع الدول التي يمكن ان تتوسط من اجله مع الدول الخليجية، أكانت فرنسا أم الولايات المتحدة كما تردد، إذا كان متعذرا ان تستقبل الدول العربية وفدا رسميا لبنانيا لهذه الغاية، يحدد ما هي الخطوات التي يمكن ان يتعهد باتخاذها على سبيل المعالجة؟ هل من سبيل لوقف التداعيات المحتملة للمواقف العربية والخليجية على الصعد الاقتصادية والسياسية والامنية، خصوصا في ظل تعذر ذلك على وزارة الخارجية اللبنانية التي باتت ترسم حولها علامات استفهام ازاء قابلية هذه الدول على التعامل معها في المرحلة الراهنة، علما أن المطلوب بإلحاح هو حملة ديبلوماسية منظمة بحيث تتولى الحكومة اللبنانية اتخاذ مبادرات في هذا الاطار؟
هذه التساؤلات تتفاعل في الاوساط السياسية على وقع مخاوف من أن الاجراءات التي أعلنت عنها الدول الخليجية في شكل خاص لا تزال في إطار العناوين، من دون الخوض بعد في الإجراءات العملانية التي قد يتأذى منها لبنان وليس فقط “حزب الله” الذي يشكل جزءا من حكومته ومجلس نوابه، وعلى وقع حرب تنذر بأنها طويلة، فيما يبدو لبنان مكسر عصا في الاتجاهين. الحزب الذي يعتمد لبنان منطلقا له لخوض معارك مع الدول العربية وفيها، والدول العربية التي لم تعد ترغب في تمييز لبنان الذي فقد أهميته لديها، وهي التي باتت محرجة أمام الرأي العام نتيجة صمتها على محاولات النيل منها والحملات ضدها، والتي باتت مشرعة عبر وسائل الاعلام . ومع أن الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله فتح الباب في خطابه الاخير امام الحكومة من اجل الفصل بينه وبين لبنان على اساس ان المعركة هي بينه بمن يمثل وبين الدول الخليجية، فإن الامر صعب ولبنان هو من يدفع تكاليف هذا الصراع، وأحد أبرز هذه الأثمان اضطراره الى الدفاع عن ضرورة عدم تصنيف الحزب إرهابيا، على رغم أن تدخله في شؤون الدول العربية، وفق ما يفاخر به الحزب، قد يعدّ إرهابا كما رأى الرئيس سعد الحريري. فلبنان يسير على خيط رفيع في محاولة التوفيق بين عدم انهيار الاستقرار اللبناني وعدم موافقته على تصرف الحزب الذي لم يسأل اللبنانيين عن موافقتهم في شأنه، وهم ضده لكنه يترك انعكاسات سلبية عليهم.
في اجتماعها الأخير غداة تصنيف مجلس التعاون الخليجي ومؤتمر وزراء الداخلية العرب الذي اجتمع في تونس قبل يومين “حزب الله” بأنه منظمة ارهابية، أعربت كتلة “الوفاء للمقاومة” عن ارتياحها الى اعتراض وزير الداخلية نهاد المشنوق، التزاما منه كما قالت الكتلة لموقف الحكومة اللبنانية. ولكن اعتراض المشنوق مبني وفق ما صرح، على موافقة كل من الرئيس تمام سلام والرئيس سعد الحريري. والاهمية لموقف الحريري تنبع من اقتناعه كما قال بأن الحزب جلب لنفسه الموقفين الخليجي والعربي، وهو لن يفرط بوحدة البلد. لكنه ايضا موقف معاكس لاقتناع جمهوره السني في الدرجة الاولى وجمهور 14 آذار عموما بمسؤولية الحزب عما يجري، كما هو معاكس للرأي العام العربي في غالبيته على الأقل، والذي تصله عبر وسائل الاعلام الحملات التي يواصلها الامين العام للحزب على المملكة السعودية والدول الخليجية، بما يدفع زعامات هذه الدول الى عدم السكوت عما يصيبها تحت وطأة إرضاء الرأي العام لديها الذي لا بد ان يغضب من استباحة السؤال الذي يستدرجه هذا الواقع، وهو: لماذا لا يلاقي الحزب ذلك عبر مواقف لا تصب في مصلحة ايران المباشرة والمتصلة بالتدخل في شؤون دول المنطقة، وان لم تكن لملاقاة الحريري، فعلى الاقل من اجل حماية لبنان ومصالحه كما مصالح اللبنانيين في الدول العربية؟ هذا الكلام عبر عنه وزراء في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء الذي يواجه ازمة لا سابق لها على صعيد علاقات لبنان بالدول العربية والصراع الذي يطلقه الحزب من لبنان تحديا لهذه الدول، على خلفية الصراع العربي – الايراني في المنطقة. لا يملك الافرقاء اللبنانيون، على رغم خصومتهم مع الحزب ورفضهم تدخله في سوريا او في اليمن او في اي دولة عربية أخرى، إلا أن يعتمدوا هذا الموقف. سبق لهؤلاء الافرقاء غداة صدور القرار 1559 عام 2004، بل حتى غداة تنفيذه بالانسحاب السوري من لبنان تنفيذا ظاهريا لهذا القرار- علما ان الانسحاب كان نتيجة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 – ان تضامنوا في وجه تنفيذ أحد بنوده المتصل بنزع سلاح الميليشيات، أي الحزب تحديدا، وتولى هؤلاء بأنفسهم، وكان المناخ الدولي داعما لهم في الانتفاضة التي أدت الى سحب النظام السوري قواته من لبنان، إجراء الاتصالات الدولية في مجلس الامن او مع الولايات المتحدة وفرنسا من اجل عدم الدفع بقوة في هذا الاتجاه، حماية ايضا للبنان ومنع تفجيره، ولو ان البند يتعلق ضمنا بإعادة السيادة والسلطة للدولة اللبنانية وحدها، وتذرعوا بأن الحزب ليس ميليشيا لأنه يقاوم اسرائيل.
ويبدو غريبا بالنسبة الى مصادر عدة أن يطلب لبنان من الدول العربية مراعاة وضعه ولا يستطيع ان يمون او يطلب من أحد أفرقائه توفير عبء تحميله الاوزار التي يحمله إياها، فيما الصراع الذي يخوضه ليس ضد اسرائيل.