في مواجهة معادلة المعايير، تحرص أوساط مطّلعة على سير تشكيل الحكومة، على وضع الأمور في نصابها أمام الوزير جبران باسيل الذي يتمسّك بمعيار «أربعة واحد» ويستند اليه لمحاولة تقليص حصص ورفع عدد وزرائه ووزراء رئيس الجمهورية.
تشير الأوساط الى ما رشح عن الرئيس نبيه بري الذي فنّد أمام زواره خريطة المجلس النيابي والكتل من أكبرها الى أصغرها كالآتي: الكتلة الأكبر في المجلس هي كتلة تيار المستقبل (20 نائباً) تليها كتلة التيار الوطني الحر (18 نائباً) فكتلة حركة التنمية والتحرير (17 نائباً) فكتلة القوات اللبنانية (15 نائباً) فكتلة المقاومة (13 نائباً) فكتلة النائب جنبلاط (تسعة نواب).
خلاصة هذا «التفنيد البري المحترف» حسب الاوساط أنّ كتلة الرئيس ميشال عون أي كتلة العهد المدموجة بكتلة التيار الوطني، هي عشرة نواب، وأنّ رقم 28 نائباً ليس رقماً صافياً للتيار الوطني الحر، بل هو عدد كتلة الرئيس عون والتيار، وقِس على ذلك تستحق هذه الكتلة وفق معايير الوزير باسيل سبعة مقاعد وزارية، أو ثمانية على أبعد تقدير، وبالتالي لا يحق لباسيل أن يطالب بحصة أكبر للكتلة، ولا يحق له أن يطالب بحصة منفصلة لرئيس الجمهورية لأنّ نوابَ العهد العشرة الذين أُضيفوا الى كتلة التيار، هم نواب الرئيس عون، فاقتضى بالتالي تصحيح الحسابات.
هل تعني هذه الحسابات النيابية أنّ الرئيس بري يؤيّد مطالب القوات اللبنانية، والنائب جنبلاط، وهل سيلعب دوراً في تسهيل عملية التشكيل؟ الأرجح أنّ بري، وعلى الرغم من زيارة باسيل له، ما زال يمسك العصا من وسطها، مع أرجحيّةٍ لتأييد مطلب النائب جنبلاط في نيل المقاعد الدرزية الثلاثة. أما على خط عقدة توزير القوات اللبنانية فلا يبدو انّ الانفراج قد حصل على الرغم من المبادرة القواتية التي قدّمت الى الرئيس عون في اليومين الماضيين، والتي أعقبها موقف لافت للوزير الياس بوصعب الذي أقرّ للقوات بحقيبة سيادية، وهذا تطوّر لم يُعرف بعد إذا ما كان ضمن مسعى من بوصعب لتسهيل الاتّفاق مع القوات على نيل وزارة سيادية، على أن يترك موقع نيابة رئاسة الحكومة للرئيس عون، على أن يتولّاه بوصعب الذي يسعى لحجز هذا الموقع الاورثوذكسي.
وفي المعلومات أنّ الرئيس سعد الحريري طلب من الدكتور جعجع تقديم مبادرة حسن نيّة، فكان التواصل القواتي مع بعبدا، حيث أعلنت القوات قبولها بأربع وزارات وتخلّيها عن موقع نيابة رئاسة الحكومة، وتركها الامر للرئيس الملّكف لإعطائها واحدة من حقيبتين سياديّتين، الخارجية أو الداخلية، وقد أبلغ الرئيس الحريري القوات باعتماد هذا الحلّ، الذي لا يزال الوزير باسيل يعارضه ويعطّله، على وقع توجيهٍ أصدره لكل نوابه بقطع التواصل مع معراب، فبدا هؤلاء غير قادرين على اللعب بالهوامش الصغيرة المتبقّية للعلاقة بين التيار والقوات التي تنحدر نزولاً وبسرعة قياسية.
وتضيف المعلومات أنّ الرئيس الحريري بات في موقع غير القادر على تقديم أيّ تنازل ولو بسيط بما يتعلّق بحصة النائب جنبلاط وبحصة القوات اللبنانية، وقد طلب من وزير مقرَّب منه أن يبلغ التيار الوطني الحر عبر نائب عوني بارز (التواصل شبه مقطوع بين الحريري وباسيل) أنّ اشتراك القوات اللبنانية في الحكومة ليس مطلباً سعودياً فقط، بل هو ضرورة تعطي للمجتمع الدولي صورةً عن الحكومة بأنها ليست حكومة «حزب الله»، وأبلغ الوزير المقرَّب منه التيار، بأنّ تشكيل الحكومة من دون القوات وجنبلاط، مرفوض، وأنّ على باسيل أن يقرأ الأمور بواقعية.
ما طرأ في اليومين الماضيَين مواقف للرئيس عون أزال فيها شعرة معاوية مع الوزير باسيل، فبات من الصعب على الرئيس الحريري والقوات اللبنانية والنائب جنبلاط التعامل مع باسيل على أنه المتصلّب أو المعرقل، والبارز في مواقف عون الإقرار بأنّ الأزمة الحكومية هي أزمة معركة رئاسية مسبقة، تُشنّ على باسيل، وليست بالتالي مجرد أزمة حكومية، وهذا ما يضيف عبئاً جديداً على ولادة الحكومة، التي باتت ترتبط بالتوريث، كما ترتبط بأجندتها السياسية الخلافية بما يتعلّق بالتطبيع مع النظام السوري والاقتراب من إيران وسياستها في المنطقة.