IMLebanon

التشكيلات الجديدة بالأسماء… ورواية عرقلتها

كان من المتوقع أن يبصر النور أمس مرسوم التشكيلات القضائية في جلسة مجلس الوزراء، بعدما بدت هادئةً وأقرّت بعضَ التعيينات في الجامعة اللبنانية، كذلك في وزارة الشؤون الاجتماعية، فكان من المرجّح أن تستكمل الجلسة فعالياتها بإقرار مرسوم التشكيلات القضائية الجديدة لو لم يتأزّم النقاش حول أمور أخرى، أو ربّما لأنّ رئيس الحكومة تمّام سلام لم يُرد لها بعد أن تبصر النور.

وفي السياق، نفت مصادر قضائية مطلعة لـ«الجمهورية» الأسباب التي راجت في بعض وسائل الإعلام عن بعض الأمور التي أعاقت توقيع المرسوم، وأبرزها ما روّج عن خلاف «المستقبل – ريفي» الذي أوحى بأنّه السبب في عدم تمرير التشكيلات، بعد إصرار ريفي على فرض مستشاره القاضي محمد صعب قاضياً عدلياً في بعبدا مقابل ترشيح القاضي جان طنوس محامياً عاماً، واستبعَدت الأمر لأسباب كثيرة فنَّدتها لـ»الجمهورية»، كالآتي:

1 – ليس هناك من خلاف بين الوزير أشرف ريفي وتيار «المستقبل» على شكل التعيينات المقترحة، بغضّ النظر عن الخلاف السياسي القائم وتحديداً في ما يخص مستشاره القاضي محمد صعب المشهود له بمناقبيته والصديق الشخصي لعائلة الحريري والذي يشكّل اليوم بحسب البعض صلةً وصل مهمّة بين الطرفين.

وفي هذا السياق تلفتُ المصادر القضائية إلى علاقة القاضي صعب الجيّدة والثابتة مع عائلة الحريري، وتحديداً مع الرئيس سعد الحريري، والتي لم تتأثّر بخلافهم مع وزير العدل الذي يعتبره يده اليمنى. فيما يحاول صعب من خلال تلك العلاقة توثيقَ الخيط الرفيع بين الحريري وريفي.

2 – في موضوع التشكيلات والتعيينات لم ينقطع التواصل والتعاون يوماً بين الطرفين، وقد شكّلَ القاضي صعب قناةَ التواصل فيها، فيما تكشف المصادر نفسُها أنّ الذي عرقلَ التشكيلات ولم يوقّع المرسوم هو رئيس الحكومة تمام سلام، وذلك بعد أن قصَده مرجع قضائي كبير ووضَعه في أجواء التشكيلات القضائية الجديدة واستمزَج رأيَه حول الأسماء، ليتّضحَ بعدها لرئيس الحكومة أنّ الخلاصة النهائية للأسماء والتشكيلات أتت مغايرةً لِما أبلِغ به.

كذلك تكشف المصادر أنّ سلام لم يكن ليعارض توقيعَ المرسوم لو لم يطلب رأيه من الاساس، وبالتالي كان بإمكان المعنيين التشكيل دون استمزاج الأسماء مع رئيس الحكومة، ولم يكن ليعترض عليها، أمّا بعد أن فعلوها واستشاروه بالأسماء كافّة مسبَقاً وأخذوا مباركتَه فلا يمكنه القبول اليوم بالتغيير من دون الرجوع إليه، خصوصاً أنّ بعض التعديلات التي اتّفِق عليها بعد التداول لم تأتِ بحسب الاتفاق، الأمر الذي أزعج رئيس الحكومة.

لذلك تشير المصادر إلى أنّ التوقيع ما زال عالقاً عند رئيس الحكومة حتى الآن، علماً أنّ الوزراء جميعَهم ليس لديهم أيّ اعتراضات على الأسماء المقترحة، فيما عيّن القاضي محمد سلام محامياً عامّاً بناءً على طلب من الرئيس سلام شخصيّاً. ولهذا تلفتُ المصادر إلى أنّ انزعاج سلام ليس له علاقة بالتشكيلات بحدّ ذاتها أو بالأسماء، بقدر ما هو اعتراضٌ على الشكل الذي تمّت فيه خلاصة التشكيلات وذلك بعد تجاوزه.

طرح ريفي رسالة وليس مقايضة

أمّا بالنسبة لمستشار وزير العدل ومقايضته بالقاضي جان طنوس فتقول المصادر: هل مِن المعقول أن يعجز مستشار وزير العدل القاضي محمد صعب الذي عيّن يوماً محققاً عدلياً في جريمة اغتيال الوزير محمد شطح، عن إيصال نفسه قاضياً في بعبدا إذا أراد، خصوصاً أنّ المناصب التي وصَل إليها أهمّ بكثير من رتبة قاضٍ في بعبدا؟

وتتساءل: هل من المعقول أن لا يسعى إلى إيصال نفسه للمكان الذي يرى أنّه يلائمه من دون الحاجة إلى اعتماد لغة المقايضة؟ فيما يبدو صعب بحسب المقرّبين منه أنّه مكتفٍ بالمركز المتواجد فيه اليوم، كما أنّه راضٍ تماماً على الدور الذي يؤدّيه من خلال مركزه، وخصوصاً في هذه الأيام.

الرواية الحقيقية

تفاجأ ريفي بأن التشكيلات الأساسية لم تكن تتضمّن اسمَ القاضي جان طنوس المعروف بأنه اليد اليمنى للمرجع القضائي الكبير، علماً أنّ ريفي اطلع على بعض التعديلات. فيما لم يتعاط ريفي في سير التشكيلات ووافقَ عليها لتسيير أمور الناس شرط أن ترسو على قضاة أكفّاء، إلا أن المصادر القضائية المطلعة تشير إلى أنّ تعيين القاضي جان طنوس أتى في غير مكانه.

المصادر القضائية تستبعد أيضاً سحبَ اسمِ القاضي طنوس مقابل سحبِ ريفي مستشارَه، لأنّ التوقيع النهائي هو من صلاحية وزير العدل وبإمكانه التمنّع عن الإمضاء من دون اللجوء إلى المقايضة ولا أحد قادر على تغيير الأصول القانونية أو الاعتراض.

وتقول المصادر إنّ المرجع القضائي الكبير تقصَّد تعيينَ القاضي جان طنوس محامياً عاماً للجزاء في بيروت، علماً أنّ طنوس لم يشغل يوماً في الجزاء لأنه في الأصل ليس قاضيَ جزاء، إضافةً إلى انتفاء واقع الشغور في بيروت، فيما يعتبر تعيين طنوس، لو تمّ، إضافةً وليس حاجة، لأنّ المراكز جميعها موزّعة ضمن عدد معيّن.

وتضيف المصادر: أحياناً يعيّن قضاة في أماكن النقص، في حال يَسمح الملاك بذلك، إنّما النيابة العامة في بيروت مكتملة وحتى فائضة، وتساءلت عن السر في تعيين المرجع القضائي الكبير لطنوس في محكمة الجزاء في بيروت وتحديداً في اللحظة الأخيرة لعملية التشكيلات؟ علماً أنّ النيابة العامة تتبع لمدّعي عام التمييز!

كذلك تتساءل المصادر لماذا لا يريد المرجع القضائي خلقَ مكانٍ للقاضي طنّوس في مكانٍ ليس له وليس فيه شغور؟ الأمر الذي فاجأ الكثيرين في كواليس الأروقة القضائية كما فاجأ الوزير ريفي أيضاً.

لذلك ترجّح المصادر القضائية أنّ الرسالة التي أراد ريفي توجيهها إلى المرجع القضائي «أنّ القاضي محمد صعب يمكنه أن يوقف تشكيلة القاضي جان طنوس».

وليس سحبُ المرجع القضائي لاسمِ القاضي طنوس هو ما سيجعل ريفي يتراجع عن طرح مستشاره، لأنّه ومستشاره في الأساس لم يكن هدفهما الوصول إلى قضاء بعبدا، إنما فقط أرادا عرقلة وصول القاضي جان طنوس الذي لم يكن في محلّه لا في الشكل ولا في المضمون.

كذلك أراد ريفي إيصالَ رسالة بأنّ صعب يمكنه إيقاف تعيين طنوس، علماً أنّ طرح الوزير ريفي لصعب لم يكن بالشكل الذي سرّب فيه، وهو «قاضي تحقيق في بعبدا» بل كان الطرح «محام عام في بيروت» مقابل طرح المرجع القضائي طنوس محامياً عاماً، وكان من المتوقع أن يتراجع المرجع القضائي لأنه أصلاً لا يمكن زيادة محامٍ آخر في الملاك في بيروت.

أمّا أبرز الأسماء في التشكيلات الجديدة فقد أتت على الشكل التالي:

– نادر منصور قاضي تحقيق في المحكمة العسكرية مكان القاضي عماد الزين الذي استلم مركز قاضي تحقيق أول في منطقة البقاع، والذي كان

أصلاً بالانتداب، إلّا أنّه اليوم ثبّت في مكانه.

– زلفا الحسن رئيسة بداية في بيروت مكان القاضي بسام المولوي الذي انتقل إلى رئاسة جنايات طرابلس.

– رهيف رمضان تكرّس نائباً عاماً في الجنوب مكان القاضي سميح الحج المتوفي من فترة، فيما عين القاضي بلال حلاوي محامياً عاماً استئنافياً في الجنوب.

– إستبدال المحامي العام في جبل لبنان جناح عبيد بقاضي التحقيق في طرابلس آلاء الخطيب، بناءً على رغبته لأنّه يقيم في طرابلس، كما أنّ القاضي آلاء الخطيب يقيم في جبل لبنان ومِن الأفضل له الانتقال من طرابلس، لذلك جرى التبديل بناءً على رغبتيهما بكلّ بساطة، علماً أنّ القاضيين يُعتبران من القضاة الممتازين.

– غادة كروم انتقلت إلى التمييز مكان القاضي المتوفّى وليد القاضي رئيس التمييز في الغرفة التجارية وعيّن مكانها القاضي منذر ذبيان نائباً عاماً في النبطية وهو يُعتبر منصباً درزيّاً.

– القاضي بلال وزني الذي مِن المتوقع أن يوقّع قريباً مرسومه مكان القاضي عبد اللطيف الحسيني الذي يشغل اليوم منصب مفوّض الحكومة في مجلس شورى الدولة.

مع الإشارة إلى أنّ القاضي بلال وزني هو اليوم قاضي تحقيق في بيروت ومحامٍ عام في محكمة التمييز، وفي حال وقّع مرسومه في الأيام المقبلة سوف يَشغر مركزان شيعيّان؛ الأوّل قاضي تحقيق في بيروت والثاني محامٍ عام تمييزي.

أمّا المرشّح الأبرز للحلول مكانه في بيروت فهو القاضي باسم تقي الدين، الذي يشغل حالياً منصب قاضي منفرد جزائي في بيروت، وذلك منذ سنوات، وهو معروف بنزاهته، ويُذكر أنّ والده هو القاضي محمد تقي الدين النائب العام المالي السابق وعضو المجلس الدستوري الحالي.

مسيحيّاً، أضيفَ رئيسان لمحاكم الاستئناف، وهما فادي الياس في بيروت وريما خليل في جبل لبنان. كما أضيف على الملاك أيضاً القاضي مطانيوس الصغبيني محامياً عاماً في زحلة وطارق طربيه قاضي تحقيق في النبطية.

أمّا الأسماء الباقية من القضاة والمحامين فقد ثبتَت في مكانها. علماً أن التشكيلات القضائية الكبيرة التي شهدها لبنان صدرت عام 2010 أي منذ ست سنوات.