عندما يُدعى الى «دوحة جديدة»، فإنّه يكون في صدد التأسيس لمشكلة بنيوية جديدة على مستوى المؤسسات الدستورية والنظام السياسي في لبنان تحت شعار حلّ المشكلات المتعلقة بخلوّ سدة رئاسة الجمهورية ومعالجة الوضع الحكومي غير الطبيعي ووضع حدٍّ للتمديد لمجلس النواب.
في ظلّ اصطدام كلّ المحاولات الهادفة الى انتخاب رئيس للجمهورية ووضع قانون جديد للإنتخابات النيابية وإيجاد سبيل لعمل حكومي منتظم في انتظار نضوج الظروف الدستورية لتأليف حكومة جديدة، خرَج الرئيس برّي باقتراحه العمل على «سلة» من التسويات على غرار ما حدث في اتفاق الدوحة في العام 2007.
والقول إنّ «دوحة جديدة» هي مشكلة جديدة يستند الى مضمون اتفاق الدوحة القديم الذي شكّل ضربة قاسية للدستور اللبناني والحياة الديموقراطية في لبنان.
يومها قبل اللبنانيون على مضض بتسمية إسم وحيد لرئاسة الجمهورية خلافاً للآليات الدستورية الخاصة بإنتخاب رئيس للجمهورية، وبتحديد قانون للإنتخاب يُحدّد سلفاً أعداد الكتل النيابية وتوزيع مقاعد مجلس النواب على القوى السياسية اللبنانية، وبتأليف حكومة وفقاً لهندسة سياسية لا علاقة لها بالإستشارات النيابية الملزمة التي ينصّ عليها الدستور اللبناني، على أمل أن تكون هذه الضربة الثمن الذي يدفعه اللبنانيون للخروج من أزماتهم، فإذا بمن يؤيّدون فكرة الدوحة الجديدة من القادة السياسيين والأحزاب في صدد تحويل «الشواذ» الى عرف يتكرَّر عند حلول كلّ موعد لانتقال السلطة وتداولها.
فدوحة جديدة تعني تغييباً جديداً للدستور اللبناني في عملية انتخاب رئيس للجمهورية، وتعني توزيعاً لمقاعد مجلس النواب وفقاً لصفقة سياسية يُصار على أساسها إلى «إنزال» قانون للإنتخاب يُترجمها، لا وفقاً لما تُفرزه صناديق الاقتراع التي يفترض بالشعب اللبناني أن يقول رأيه في المرشّحين والبرامج من خلالها، وتعني استباقاً لنتائج الإنتخابات النيابية في تسمية رئيس للحكومة وفي تحديد الحصص الحكومية وصولاً حتى الى الأسماء.
وتزداد خطورة «الدوحة الجديدة» لكونها تُكرّس أكثر من سابقة أطلق عليها الرئيس نبيه برّي توصيف «الحوار الوطني» بين المكوّنات السياسية والحزبية للمجتمع اللبناني، فإذا بها تشكّل تغطية لاستبدال عمل المؤسسات الدستورية بآليات وهيئات موازية تضرب جوهر النظام السياسي وتزعزع أسس عمل المؤسسات الدستورية.
وقد جاءت نتائجها على المديين المتوسط والبعيد إمعاناً في ضرب أسس النظام وتكريساً لتغييب الدستور واستبداله بموازين القوى التي باتت تتحكّم بتحديد الخيارات الوطنية متسبّبة بزيادة الشرخ بين اللبنانيين ومضاعفة المشكلات الناجمة من سياسات الفرض وتكريس الأمر الواقع خلافاً لرأي شريحة واسعة من اللبنانيين.
إنّ طرح «دوحة جديدة» يتناقض تماماً مع الرغبة التي عبّر عنها اللبنانيون في صناديق الاقتراع في الإنتخابات البلدية الأخيرة. والسير في مثل هذا الإقتراح يعني أنّ الأحزاب والقوى السياسية في لبنان لم تستخلصا العبر من اتجاهات الرأي العام، ولم تقرأا الرسائل المتعددة الإتجاهات التي أرسلها الناخب اللبناني بحيث كاد لا يستثني أيّ فريق منها.
لا بل على العكس من ذلك فإنّ «دوحة جديدة» تعني أنّ هناك قراراً سياسياً متخذاً على أعلى المستويات، يبدو أنّ أكثر من جهة سياسية وحزبية تسير فيه بهدف إجهاض أيّ محاولة شعبية لجعل نتائج الإنتخابات البلدية الأخيرة تنسحب على نتائج الإنتخابات النيابية المقبلة، وبالتالي على تركيبة المؤسسات الدستورية التي يُفترض أن تولد من رحمها.
إنّ تكرار الإنتهاكات الدستورية ولو بحجة الحوار والوفاق يُثبت أنّ مخاوف المحذّرين من سعي متمادٍ للإنقلاب على النظام السياسي ليست مجرّد أوهام ولا هي جزء من عمليات التهويل السياسي بقدر ما هي واقع ملموس من شأنه أن يدفع بالأمور قدماً نحو مزيد من الإهتراء وصولاً الى سقوط كامل للمؤسسات يُسقط معه النظام السياسي القائم على أمل استبداله بنظام تفرضه موازين القوى التي تغيّرت عما كانت عليه يوم بُني «اتفاق الطائف».
* عضو الأمانة العامة لقوى «14 آذار»