لا تعود عقارب الساعة الى الوراء إلاّ اذا كانت خربانة. وبعد وقت يقاس بالساعات سينتقل لبنان من حال الى حال. البعض يقول: سيولد عهد جديد، والبعض الآخر يقول: بل هو بداية تاريخ جديد. كان الاعتقاد السائد، بمزاج من التشاؤم، ان وضع لبنان ميؤوس منه، وان الفاس وقعت في الراس، وان زمن المعجزات ولّى، وان البلد كما المنطقة الى زوال… ولكن ما حدث، اذا لم يكن معجزة، فهو يشبهها. وما حدث لم يكن مجرد التوقف عن الحفر في قعر الهاوية للسقوط فيها أكثر وأعمق، وانما كان بداية ردم والصعود للخروج منها. ومن المفهوم أن تستهلك هذه المهمة جزءا من الوقت في بداية العهد، ليكون ما تبقى منه هو زمن الصعود الى القمة.
***
العهد القوي هو الذي يستمد قوته من كل مصادر القوة في شعبه، ومن كل الأقوياء المحيطين به، فيستقطبهم لمضاعفة قوة الفعل والريادة، فتضاف الى قوة القائد الذي يجلس على كرسي الرئاسة. وكان يشاع في السابق ان ما يعيب الرئاسة هو النقص في صلاحيات الرئيس. قد يكون ذلك صحيحاً ولكنه غير دقيق. هيبة الرئاسة لا تكفي، ولا تتكامل إلاّ مع مهابة شخصية الرئيس. ويمكن القول ان هيبة شخصية الرئيس هي جزء من الصلاحيات التي لم ينص عليها الدستور. ومن الطبيعة البشرية ان شخصية الرئيس العادل والنزيه والصالح والحكيم بمجرد وجودها، تلقي الرعب وتردع الظالم والمحتال والفاسد والمتهور. وكانت الادارة سائبة، والموظفون حوّلوا المكاتب الى ديوانيات وتكايا، يحضرون ويغادرون على كيفهم، وفي اليوم التالي لانتخاب بشير الجميّل رئيسا، كانت الادارات تعجّ بالموظفين منذ الثامنة صباحا، وهم يحسبون ألف حساب، قبل أن يجلس الرئيس على كرسيه ويتفوّه بكلمة واحدة!
***
تهورنا في لبنان طويلا وخسرنا كثيرا، ورأسمالنا اليوم ألاّ نخسر أنفسنا. لبنان العربي الانتماء، عمقه الحقيقي عربي. ولعلنا نحتاج الى سياسة صفر مشاكل الآن في الداخل وفي المدى العربي، وهذا ممكن. ويكون مقياس التعامل اقليميا ومع العالم هو مقياس المصلحة الوطنية العليا الجامعة، أولا وأخيرا. سياسة صفر مشاكل مع العرب من الرياض الى الجزائر، ومن القاهرة الى بغداد، ومن صنعاء الى نواكشوط. وبعد انجاز هذه المهمة – وهي متاحة وممكنة – يمكن الانصراف الى الداخل بقصد التغيير والاصلاح!