لن يكون أمر الحكومة بالسهولة التي يتصورها البعض. مسار التشكيل الذي انطلق سيكون طويلاً، بالمقابل لا يمكن التنبؤ بما سيكون عليه واقع المفاوضات قبل جلاء الصورة ومعرفة قوة الدفع الخارجي لتشكيل الحكومة وموقع المبادرة الفرنسية، وعما اذا كانت فرنسا ستتمكن من السير قدماً في تحويل إقتراحاتها الى وقائع أم أنها ستصطدم بجملة تعقيدات بات متعارفاً عليها. المشاورات السياسية المتعلقة بتشكيل الحكومة انطلقت عملياً من اجتماع عين التينة الذي ضم امس الاول الى رئيس مجلس النواب نبيه بري، رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل والمعاون السياسي في “حزب الله” الحاج حسين الخليل والنائب علي حسن خليل. شهد هذا اللقاء قراءة للمرحلة الماضية والإخراج السيئ لإستقالة حكومة حسان دياب والذي لم يكن مرضى عنه من قبل “حزب الله”، وتداعياتها على أكثر من مستوى. كان “حزب الله” يفضل لو تم الإتفاق على المرحلة المقبلة في ظل إستمرار عمل حكومة دياب لكان التفاوض أقوى وأفعل، لكن حساباته لم تتوافق والحسابات التي رافقت استقالة رئيس الحكومة، والتي أعادت الجميع إلى المربع الاول الذي شهدناه عشية استقالة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، يوم وضعت استقالته المسؤولين في حيرة من أمرهم.
أهم ما خرج به إجتماع عين التينة هو التنسيق المشترك والمتماسك وضمن رؤية تحالفية في التعاطي مع موضوع تشكيل الحكومة. ومع توقع تأخير دعوة رئيس الجمهورية ميشال عون الى إستشارات نيابية ملزمة الى الأسبوع المقبل او الذي يليه، زُخمت المشاورات الجانبية وسط اجواء تنذر بكباش سترتفع وتيرته بين المطالبين بتشكيل حكومة حيادية ومؤيدي تشكيل حكومة وحدة وطنية. فقد عاد الحديث بقوة عن تشكيل حكومة محايدة برئاسة نواف سلام خالية من تمثيل “حزب الله”. ويرى المؤيدون أن مثل هذه الحكومة ترضي الأميركي والسعودي ولا يعارضها “التيار الوطني الحر” وسيقبل بها حكماً “حزب الله” نتيجة سوء الاوضاع وحاجة البلد الى تشكيل حكومة بأسرع ما يمكن. لكن هذا الرهان ليس في محله بدليل أن “حزب الله” يرفض بالمطلق طرحاً كهذا، وهو الذي رفع الراية الحمراء ضد تكليف نواف سلام قبل نحو تسعة أشهر لا يزال موقفه هو ذاته، لناحية رفض الصيغة المقترحة من أساسها ان من ناحية الإسم المقترح أو صيغة الحكومة الحيادية من دون تمثيله.
مخطئ من يظن ان مواقف “حزب الله” اليوم ازاء تشكيل حكومة جديدة ستختلف عما كانت عليه قبيل تكليف حسان دياب. فـ”الحزب” الذي لم يقدم لسعد الحريري حكومة حيادية لا يتمثل فيها لن يعطيها لغيره كما لن يكون على عجلة من أمره لتشكيل حكومة من طرف واحد ويلدغ من الجحر مرتين. ويمكن التنبؤ هنا بان فكرة الحكومة الحيادية من دون “حزب الله” سيعمل “الحزب” على وأدها في مهدها مهما علت الأصوات. فمن ناحية “حزب الله” لن ينفع تأثير حليف أو مسايرة لا سيما وأنه على عكس ما يعتقده كثيرون لا يعتبر نفسه في أحرج أوقاته.
وخارج سلام أخذت أسماء المرشحين تتطاير فنصح بعض المطلعين بالتركيز على اسم محمد بعاصيري الذي زاد التداول باسمه، فيما غمز آخرون من قناة الوزير السابق الفضل شلق الذي كان اليد اليمنى للرئيس رفيق الحريري لكنه لم يكن قريباً إلى الحريري الإبن.
على المقلب الموازي نرى من يعزز حظوظ حكومة الوحدة الوطنية مستفيداً من طرح ألمح اليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته الى لبنان، ومستنداً الى أن من جمع قيادات الاحزاب الى طاولة واحدة بإمكانه ان يعيد جمعهم الى طاولة الحكومة. مثل هذا الاقتراح يعمل عليه “حزب الله” ويؤيده أوسع تأييد، لكن تعترضه عقبة أساسية وهي رفض الحريري الفكرة من أساسها وهو يدرك أن أي حكومة وحدة وطنية لن تبصر النور من دون مشاركة “حزب الله”. هذه المشاركة التي لا تزال المملكة السعودية ترفضها بالمطلق وهنا التعويل على جهود فرنسية أميركية لتسهيل ولادة مثل هذه الحكومة متى صدقت النوايا الفرنسية فعلاً.
لكن المشاورات الحكومية هذه لا تزال في بداياتها ولم نشهد بعد ذاك الزخم الدولي المنتظر مع مجيء المبعوث الاميركي دايفيد هيل الى لبنان يوم غد الخميس ونتائج الوساطة الفرنسية التي انطلقت محركاتها بعيد إستقالة الحكومة مباشرة، فإلى اتصاله برئيس الجمهورية ميشال عون عُلم أن ماكرون اتصل برئيس “الحزب التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط فيما تواصل مسؤولون في قصر الإليزيه مع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل. في حين أنّ بري الذي تباحث والمنسق الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش بموضوع الحكومة، إستقبل جنبلاط ليبلغه نتائج المشاورات الاولية مع “حزب الله” و”التيار الوطني” وتشاور معه بنتائج الاتصال الذي أجراه معهما الرئيس الفرنسي.
وبناء على الإتفاق بين القوى السياسية الوازنة فإن التركيز انصرف حالياً باتجاه تشكيل الحكومة وما عدا ذلك مجرد ملهاة سياسية. ومن جملتها محاولات تجميع إستقالات نيابية تؤمن إسقاط مجلس النواب والذهاب نحو انتخابات نيابية مبكرة سقطت بالضربة القاضية بعد إمتناع جنبلاط والحريري عن تقديم إستقالة نواب كتلتيهما، اما الحديث عن عقد سياسي جديد وما شابه فهدفه تقطيع الوقت الى حين الإنصراف الى ملهاة أخرى.
بعد إنقضاء سبعة أشهر ذهبت حكومة كأنها لم تكن وعدنا لنبحث أمر تشكيل حكومة أخرى. تداول صيغ ومحرقة أسماء مع محاولة كل فريق سياسي رفع الصوت لتثبيت قواعده داخل المعادلة الجديدة، الحريري أبرز المرشحين أو من يسميه مع فارق اختلاف الظروف والمعطيات وترجيح كفة تدخل دولي لن تكون إيران بعيدة عنه بطبيعة الحال.