حُكـومة للأولويّتين الإصلاحيّة والإقتصاديّة بــغــطــــاء سياسي
في الوقت الذي تتوالى فيه الكوارث على رؤوس اللبنانيّين، من الإنهيار الإقتصادي وحجز الودائع وتفاقم البطالة، مُرورًا بإنتشار وباء كورونا بشكل مُتصاعد، وُصولاً إلى تداعيات إنفجار المرفأ الكارثيّة… جاءت إستقالة الحُكومة الطريّة العُود لتترك مركب السُلطة التنفيذيّة في مهبّ الريح! فهل سيتمّ فعلاً تشكيل حُكومة جديدة بسرعة، أم أنّ تجارب السنوات الماضية ستتكرّر؟
بحسب مصدر نيابي مُطلع على الإتصالات القائمة في الملف الحُكومي المُستجدّ، إنّ الجميع مُدرك لخُطورة المرحلة، خاصة وأن لا وقت لترف الإنتظار والمُماطلة، بحيث توقّع أن تذهب الأمور في هذا الإتجاه أو ذاك خلال وقت قصير، منعًا لإنهيار البلاد بشكل تام. وقال إنّ هذا الأمر لا يعني التسرّع والتهوّر وحرق المراحل، حيث سيتمّ إعطاء الوقت الكافي للإتصالات السياسيّة وللمُفاوضات التمهيديّة، لكن ضُمن مهلة مَعقولة تنتهي قبل عودة الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون إلى لبنان مطلع أيلول المُقبل، على أن يتمّ فورًا الإنتقال من طرح إلى آخر، بمُجرّد الحُصول على أجوبة من المعنيّين في ملف التكليف والتشكيل.
وبحسب المصدر نفسه إنّ رئيس الجمهوريّة، ومن خلفه «التيّار الوطني الحُر»، مع ضرورة الإسراع في تشكيل حُكومة جديدة، لكنّ الرئيس العماد ميشال عون لن يتسرّع في تحديد موعد الإستشارات النيابيّة المُلزمة، قبل الحُصول على أجوبة في ما خصّ الخُطوط العريضة للمرحلة المُقبلة، وحُكمًا للحكومة، تسهيلاً لعمليّة التكليف والتشكيل، ومنعًا للقيام بخطوات ناقصة. وتابع أنّ «الثنائي الشيعي» ومعهما كل قوى «محور المُقاومة»، مُنفتحون على كل الخيارات الإنقاذيّة الضروريّة، لكن مع الحفاظ على الثوابت وعلى الإنجازات التي تحقّقت على المُستوى السياسي الإستراتيجي العام، مع تشديد كبير من جانب «حزب الله» على رفض العودة إلى الوراء في تموضع لبنان، أو في قُدرته على مُقاومة الضُغوط الدَوليّة المُمارسة عليه. وأشار إلى أنّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي كان له دور أساسي في إطلاق رصاصة الرحمة – إذا جاز التعبير، على الحُكومة المُستقيلة، سيلعب دورًا مُهمًّا في مساعي تشكيل الحُكومة المُقبلة.
وكشف المصدر النيابي المُطلع على الإتصالات القائمة في الملف الحُكومي، أنّ رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط مع تسهيل ولادة الحُكومة، وهو بدوره مُنفتح على كلّ الخيارات، ويُنسّق خطواته مع رئيس «تيّار المُستقبل» سعد الحريري، لكنّه سيسير في نهاية المطاف بالخيار الذي سيدعمه الرئيس برّي. وأضاف أنّ رئيس حزب «القوات اللبنانيّة» سمير جعجع ضُد العودة من جهته إلى وضعيّة شبيهة بما قبل إنتفاضة 17 تشرين، أو إلى وضعيّة شبيهة بحُكومة حسّان دياب، وهو مع حًكومة حياديّة بالكامل تُعنى بالإصلاحات وتكون مهمّتها الأساسيّة تحضير الأجواء لإنتخابات نيابيّة مُبكرة، مع قرار مُتخذ بعدم المُشاركة في أيّ حكومة تتمتّع بنفس سياسي مُباشر أو غير مُباشر.
وبالنسبة إلى موقف رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، أوضح المصدر نفسه أنّ النائب الحريري مُتردّد، حيث أنّه لا يُعارض العودة إلى الحُكم بالمُطلق، لكنّ برأيه الإنقاذ لا يُمكن أن يتمّ حاليًا سوى عبر حُكومة مُستقلّة وحياديّة بالكامل، أي خالية من أي وُجود سياسي، أكان مُباشرًا أم غير مُباشر، بإعتبار أنّ التوازنات السياسيّة محفوظة من خلال الرؤساء الثلاثة، ومن خلال المجلس النيابي. وتوقّع المصدر بالتالي أن يتسبّب هذا الشرط القديم – الجديد للحريري، ببقائه خارج الحُكم، لأنّ «حزب الله» الذي يُعارض تسمية السفير السابق نواف سلام رئيسًا للحكومة، من موقع مُعارضة الإملاءات الخارجيّة، يرفض ترك لبنان بيد حُكومة خالية من أي وُجود سياسي، ولو بشكل غير مُباشر، في ظلّ إحتدام الصراع الإقليمي والدَولي في الشرق الأوسط، وفي ظلّ مُحاولات العودة إلى الساحة اللبنانية من قبل أكثر من طرف. ولفت المصدر النيابي المُطلع إلى أنّ «الحزب» لا يُمانع عودة الحريري إذا كان هذا الأخير يُوافق على أن يرأس حكومة شبيهة بحكومة دياب، وهو الأمر الذي يرفضه رئيس «تيّار المُستقبل» الذي سيقوم بجولة واسعة من الإتصالات العربيّة والدَوليّة قبل حسم خياراته حكوميًا، لأنّه يعود فقط في حال فتح باب المُساعدات الماليّة للبنان.
ورأى المصدر النيابي أنّ الحلّ قد يكون بأن يُوافق الرئيس الحريري – بعد التطوّرات الدراماتيكيّة التي حصلت في لبنان منذ 17 تشرين حتى تاريخه، على تأمين الغطاء لحكومة شبه مُستقلّة تكون أولويّتها إطلاق عجلة الإصلاحات لكسب ثقة الدول الداعمة كافة، وكذلك التفاهم مع صُندوق النقد الدَولي وتحرير أموال مُؤتمر «سيدر» لإنقاذ الوضعين الإقتصادي والمالي. وتابع المصدر أنّ رئيس مجلس النواب، يعمل حاليًا على تسويق مُشاركة الحريري – بشكل مُباشر أو غير مُباشر، في الحكومة المُقبلة، شأنه شأن باقي القوى السياسيّة الرئيسَة، لكن مع مُعالجة الثغرات التي كانت قد ظهرت في تجربة الحكومة السابقة. وتوقّع المصدر أن تتكثّف الإتصالات خلال الأيّام القليلة المُقبلة، وأن يتحرك أكثر من طرف لإقناع الحريري بترأس الحكومة أو على الأقلّ بأن يُسمّي رئيسها بنفسه.
وأكّد المصدر النيابي المُطلع أنّه في إنتظار وُضوح نتائج الإتصالات القائمة حاليًا، لا يزال القصر الجُمهوري يرجئ الخطوة الدُستوريّة القاضية بتعيين موعد للإستشارات النيابية المُلزمة. وأضاف أنّ المُفارقة تتمثّل في أنّه لم ترفع حتى الساعة أيّ جهة الصوت إعتراضًا على عدم إقدام دوائر القصر بهذه الخُطوة الدُستوريّة بعد، مُعتبرًا أنّ مُختلف الجهات تتأنّى لمعرفة الخُطوط العريضة لما ينتظر لبنان في الثلث الثالث والأخير من ولاية الرئيس العماد ميشال عون. وختم قائلاً: «إنّ صفحة حكومة دياب طُويت سريعًا، لكنّ مبدأ حكومته لم يسقط، وقد يُضطرّ الجميع للعودة إليه، نتيجة غياب البدائل في المرحلة الحالية!».