IMLebanon

صفارات الإنذار تدوي.. فهل من سميع؟

 

من الواضح والأكيد أن الدولة اللبنانية هي حاليا في مدار شاذ يخالف الدستور والقواعد السيادية والميثاقية، ويمسك بمقاليد الحكم والقيادة بمشيئة منفردة، لا تقيم وزنا لنص دستوري ولا لقواعد قانونية، ولنا في ما يحصل في دهاليز الأزمة الوزارية القائمة والمطْبِقة على أنفاس البلاد والعباد، خير دليل.

 

ها هو النص الدستوري الواضح وقد تم تجاوزه وخُلِطت أخماسه بأسداسه، واذا بالإستشارات النيابية المعهودة دستوريا إلى فخامة رئيس الجمهورية تتمدد إلى حدود الإطباق على صلاحية رئيس الحكومة بتشكيل الوزارة لتصدر بموجبها مراسيم التأليف من مجلس الوزراء وفقا لأصول دستورية محددة لا لبس فيها ولا غموض، ولكن تشاء أوضاع البلاد أن تقلب أوضاعها، رأسا على عقب، بل لتتجاوز كل التفسيرات والتبريرات التي يطلقها ذوو الشأن المتناغمين في ما بينهم على اقتسام مفاتيح السلطة وصولا بها إلى حدود التجاوز العمد والتسلط المقصود، فإذا بسلطة التكليف والتأليف تقفز بكل فجائياتها إلى الوزير باسيل ليكون إسم رئيس الوزراء المقبل مقترحا من قبله، سابقا الإستشارات النيابية ومتجاوزا استشارة أي نائب من نوابنا الأكارم، الغارقين في سبات عميق رغم القيامة القائمة في شتى أنحاء البلاد، لتكون العملية الدستورية بأسرها أسرابا من المخالفات والتجاوزات، وليكون شكل الوزارة المقبلة مقررا سلفا من قبل صاحب القرار الأساسي الفارض، ممثلا بالناطقين باسم حزب الله الذين يتشبثون بأصول وضوابط التسوية الرئاسية ويحددون ما يجوز وما لا يجوز أن تقوم به الدولة اللبنانية من أعمال وتصرفات والتزامات وإلزامات لمسيرة الحكم بكل سلطاتها العملية والتشريعية والتنفيذية بعد أن مكنتهم تطورات الأحداث التي تلت التسوية الرئاسية من الإطباق على كل مقاليد الحكم ومفاتيح السلطة.

 

إن الأوضاع المستجدة على البلاد والمتمثلة بالثورة – الإنتفاضة التي تقترب من إتمام شهرها الثاني، لا بد من الإعتراف بأنها هزّت مجمل الأسس التي كانت قائمة ومتمكنة من مسيرة البلاد ومتحكمة بأوضاع الشعب اللبناني كلّه بمواليه ومعارضيه، الأمر الذي يشكل ملاحظة أساسية لا بد من التركيز عليها نظرا لأهمية الوقائع الناتجة عن هذا الحدث التاريخي غير المسبوق في تاريخ لبنان الحديث والقديم، وإن مسيرة هذه الانتفاضة بكل زخمها وشموليتها وابتكاراتها العملانية في التحرك الشعبي وفي اقناع قطاعات واسعة من الشعب اللبناني بكل فئاته وجهاته وانتماءاته الطائفية والمذهبية والمناطقية بالإنضمام إلى ركبها، قد أجبر السلطات الحاكمة والمتحكمة على التوقف عند بعض حدودها ومسايرة الثورة – الإنتفاضة في كثير من طروحاتها وممارساتها، ولكن بالرغم من التطورات الهامة التي قلبت الأوضاع الشعبية رأسا على عقب، فإن الغضب الشعبي ما زال قائما بل ويزداد حدة وشدة وتوجها نحو مزيد من التنظيم والتصميم والإبتكار في مواجهة المناورات التي تقوم بها سلطات هذه الايام القاتمة توطئة لإطفاء تأجج الغضب الشعبي وتحوير مسيرته إلى جملة من التناقضات والخلافات المؤدية بالنتيجة إلى وضع حد لمسيرة الثورة – الإنتفاضة.

 

والعودة بالبلاد والعباد إلى سالف الأوضاع التي أودت بلبنان إلى تهلكة نخوض غمارها بالتقسيط، بل نحن والحال الإقتصادي والسياسي على ما هو عليه، قد أصبحنا في أقصى الهوة السحيقة التي باتت تثير قلقا عميقا وموجعا لدى المواطنين، في الوقت الذي تتكشف فيه يوما بعد يوم أهداف الفساد التي خلفتها سلطات الأمر الواقع المتغطية بنقاب البراءة ومظاهر الطهر والعفة، وهي في واقع الأمر، قد أودى بنا فسادها المتسلط  إلى هذه الأحوال المخفية التي تتيح لنا مجالا للتساؤل: هل يكون لبنان أو لا يكون بعد سلسلة الأزمات التآمرية عليه وأكلت في مسيرتها الفاسدة، أخضره واليابس؟

 

وبعد: فخامة الرئيس، يعدُ زواره الكثر في هذه الأيام، بإجراءات مقبلة سيكون من شأنها تجاوز الأوضاع الخطيرة التي حلّت على البلاد ضيفا ثقيلا ومرعبا في واقعه وأخطاره، والنتائج المرتقبة التي صورها أحد نواب التيار الوطني الحر بأنها تذكر بتلك المجاعة التي عمّت لبنان في مرحلة الحرب العالمية الثانية وكانت لها آثارها المريرة والمدمرة على معظم معالم الحياة في البلاد وعلى العباد.

 

إن نائب العهد الحاكم الكريم يدعو اللبنانيين إلى المسارعة الحثيثة لإيجاد الحل الإنقاذي المُلح في توّجبه وضرورة توقّي حصوله وتحقيق نتائجه المرعبة، قال كلمته ومشى، والباقي متروك لمعاناة الناس ولمعالجة ذاتية لأوضاع البطالة والجوع التي باتت تطاول الوطن والمواطنين.

 

الحل المطروح، حكومة تدعو إليها أحزاب السلطة، ولم يعد خافيا أنها ستكون حكومة سياسية – تكنوقراطية، وهي حتى الآن، حكومة مؤلفة سلفا، متجاوزة مرحلة التكليف ومتجاوزة مرحلة الإستشارات النيابية، والمطروح لرئاستها المهندس سمير الخطيب، ومن المرجح بل ومن المؤكد أن هذه الحكومة ستكون مخالفة لقناعات ومطالب جموع الثورة – الإنتفاضة، وفي هذه الحالة سنكون أمام مرحلة ممدّدة من الإضطراب السياسي والإجتماعي والإقتصادي والمالي، مما يدفع بقوة إلى إبقاء لبنان واللبنانيين قابعين في مرحلة الخطر الشديد التي بدأت معالمها تخرج إلى الواقع الملتهب بجملة من الأضرار والأخطار.

 

واقع الأمر أن القوى السياسية الممسكة بالخيوط السلطوية، غير مكترثة تجاه هذه التوقعات، بل غير مهتمة لحراك الناس وثورتهم، وتعالج أوضاع الوطن المأساوية بكثير من التجاهل والإستخفاف! حقيقة الأمر أن من يخفي نظره  بكفّي يديه سيكتشف سريعا أن هذا التجاهل يطاول البلاد والعباد بجملة من الأخطار البنيوية والكيانية بدمار مرعب وغير مسبوق، ولا بد لنا ولجميع الحريصين على سلامة أوضاع هذه البلاد من إطلاق صفارات الإنذار الداوية، لأن للخراب ولاهتزاز الأسس الكيانية للوطن، دوي لن يحظى برضى الجميع… بمن فيهم أهل السلطة والممسكون بمفاتيح الحلول.