خلال المعركة الرئاسية الاميركية العام 2016 طلب “ساحر” الالعاب الانتخابية ديك موريس من المرشحة هيلاري كلينتون ان تعترف بخطأ او ضعف لكي تبدو انسانية امام الناخبين. فكّرت قليلاً فلم تجد اي خطأ او ضعف لتعترف به، وسقطت في مواجهة منافسها الديماغوجي دونالد ترامب. ففي كل الكوارث المالية والاقتصادية والسياسية والوطنية التي ضربت لبنان، وآخرها كارثة الانفجار في مرفأ بيروت، لم يجد اي مسؤول كبير ما يعترف به من مسؤولية او خطأ. كلهم هيلاري كلينتون، والمذنبون هم الآخرون الذين ينطبق عليهم قول تاليران: “اكثر من جريمة، انها غلطة”. لا بل كلهم آل البوربون الذين قيل بعد عودتهم الى السلطة انهم ” لم ينسوا شيئاً ولم يتعلموا شيئاً”.
بيروت احترقت وهم قاعدون.الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مستعجل، اميركا مستعجلة، الاتحاد الاوروبي مستعجل، العرب مستعجلون، اللبنانيون على نار وهم ليسوا مستعجلين، يمارسون كالعادة كل المناورات المكشوفة في لعبة التكليف والتأليف من دون اي تغيير.الاولوية لمصالحهم الضيقة والخوف على المواقع في السلطة.
لكن من الوهم الاستمرار في اللعبة كأن شيئاً لم يتغير، لا في الشارع الغاضب، ولا في احوال اللبنانيين المنكوبين الذين يدفنون شهداءهم ويواسون جرحاهم ويقفون بحزن امام منازلهم المهدمة بفعل الانفجار، ولا في الامتحان المحلي والعربي والدولي لهم في مادة الاصلاح، ولا في نزول 2,7 مليون لبناني تحت خط الفقر، حسب دراسة ” الاسكوا”.
ذلك ان المهمة هذه المرة مختلفة. لسنا في لعبة تقليدية هي تأليف حكومة تحافظ على الحصص ثم تبحث عن برنامج. فما امامنا هو برنامج واضح ومحدد يبحث عن حكومة تنفذه. برنامج اصلاحي لإنقاذ لبنان باخراجه من “الجورة” قبل اعادة البناء فيه. برنامج يسحب لبنان من صراعات المحاور الاقليمية والدولية ويعيده الى موقعه الطبيعي في قلب العالم العربي والانفتاح على العالم.
ولا احد يجهل ان هذا الحل هو المشكلة بالنسبة الى المسؤولين. فالرغبة الفرنسية في فصل التسوية في لبنان عن أزمات المنطقة تصطدم بكون لبنان متورطاً في كل ازمات المنطقة عبر “حزب الله” ومحور “الممانعة”. والاصلاح يعني وقف السرقة والاصطدام بقوى نافذة. وهذا واحد من دروس التاريخ عن تجربة القيصر الكسندر الثاني، وهو أب البريسترويكا قبل غورباتشوف. ففي العام 1861 حرر الفلاحين من نظام القنانة، فوقف المحافظون ضده لانه بدأ الاصلاح. وحين تراجع وقف الليبراليون ضده لانه اوقف الاصلاح. ثم اغتيل العام 1881.
مسكين القيصر. لم يعش ليرى في لبنان من يتحدثون عن الاصلاح ويمنعونه عملياً ويشرفون على عملية “إثراء الزعماء” التي طالب بانهائها ديفيد هيل.