يبدأ الحديث الحقيقي عن شكل الحكومات اللبنانية ما بعد “إتفاق الطائف” من حكومات العام 2005 صعوداً لأنّ ما قبل هذا التاريخ كان الإحتلال السوري يحدّد شكل الحكومة وأعضاءها.
على رغم هول ما حصل، إلا أن انفجار 4 آب الذي شُبّه بانفجار هيروشيما لم يحرّك في رئاسة الجمهورية و”حزب الله” والقوى القابضة على السلطة أي شيء، فاستمرت بالتصرف وكأن لا شيء حصل، وكل الهمّ هو الحفاظ على الحصص داخل التركيبة المهترئة.
وفي هذه الأثناء لا تزال الأجواء الحكومية ملبّدة، إذ إن القصر الجمهوري لم يحدّد موعداً للإستشارات النيابية الملزمة، كما أن بورصة الأسماء لا تزال تراوح مكانها، خصوصاً أن “حزب الله” ما زال يضع “فيتو” على إسم السفير نواف سلام لترؤّس حكومة حيادية. في المقابل جاء موقف الرئيس سعد الحريري بإعلان سحب ترشيحه من التداول ليشكّل ضربة جديدة للعهد، فضلاً عن أن موقفَي حزبَي “القوات اللبنانية” و”التقدمي الإشتراكي” واضحان بعدم إعطاء الغطاء الحكومي للعهد و”حزب الله”، في حين أن العهد يريد أن يعود الحريري مستسلماً وبشروطه وليس بشروط الشعب أو القوى المعارضة، ولم يحصل على مراده.
وأمام كل هذه العوامل أعلن الحريري أنه غير مرشح لرئاسة الحكومة ما يدل على أن العقبة كبيرة أمام التكليف والإتفاق على اسم جامع، فكيف الحال بالنسبة إلى التأليف خصوصاً وأن الشعب فقدَ الثقة بمعظم الطبقة السياسية، ويريد حكومة حيادية من أصحاب الإختصاص لا تكون حلبة صراع أو ساحة للمحاصصة ونهب ما تبقّى من المال العام.
وتُطرح على الساحة فكرتان للحل، الفكرة الأولى هي تأليف حكومة أقطاب تضم المسؤولين السياسيين مباشرة ليتحملوا مسؤولية الإنقاذ، لكن هذه الفكرة جُوبهت برفض حاد من قِبل الشعب الذي يعتبر أن هؤلاء هم أصل البلاء فكيف يستلمون الحكم مجدداً؟ في حين أن فرنسا عادت وأوضحت أنها لم تطرح مثل هكذا مشروع.
أما الفكرة الثانية، والتي تُشكّل مطلباً شعبياً فهي حكومة حيادية مستقلّة تضع أسس الحلّ، ويرأسها شخص حيادي وتتألف من وزراء من أصحاب الإختصاص، لكن “حزب الله” الحاكم والعهد يرفضانها بشدة.
وبالعودة إلى مسلسل أشكال الحكومات ما بعد العام 2005، فإن أولى الحكومات التي أخذت شكل التكنوقراط كانت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في العام 2005، تلك الحكومة وإن كانت تحظى برعاية دولية ودعم داخلي إلا أنها نجحت في إجراء الإنتخابات وتأمين الإنتقال السلس للسلطة.
الحكومة الثانية كانت الحكومة التي ترأّسها الرئيس فؤاد السنيورة في حزيران 2005 وأتت بعد الإنتخابات التي فازت فيها 14 آذار بالأغلبية النيابية، وكانت حكومة شبه وحدة وطنية لأن “التيار الوطني الحرّ” بقي خارجها، وواجهت هجوم قوى “8 آذار” والرئيس ميشال عون واستمرت حتى بعد إنسحاب الوزراء الشيعة، وكانت في أخطر مرحلة بتاريخ لبنان إذ كانت شاهدة على حرب تموز ومعركة “نهر البارد” و”غزوة” 7 أيار.
الحكومة الثالثة كانت حكومة السنيورة الثانية في حزيران 2008 وقد أتت بعد “إجتياح” 7 أيار وإحتلال “حزب الله” بيروت، وكانت حكومة وحدة وطنية بعد مشاركة “التيار الوطني” فيها ونيل المعارضة “الثلث زائداً واحداً”، وأشرفت على الإنتخابات النيابية في العام 2009.
الحكومة الرابعة هي حكومة الحريري الأولى في عهد الرئيس ميشال سليمان، وكانت أيضاً حكومة وحدة وطنية ووصل النمو في أيامها إلى حدود 8 في المئة وسقطت باستقالة وزراء 8 آذار من الرابية.
الحكومة الخامسة كانت حكومة اللون الواحد برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي والتي تألفت العام 2011 بعد إسقاط حكومة الحريري، ولم تستطع الصمود وشهد لبنان تراجعاً كبيراً وسط اندلاع الأزمة السورية.
الحكومة السادسة أبصرت النور في العام 2014 وكانت حكومة وحدة وطنية برئاسة الرئيس تمام سلام ورفض حزب “القوات” المشاركة فيها، وغطت الفراغ الرئاسي على مدى سنتين ونصف السنة، وشهدت أول ثورة مطلبية لا سياسية بعد أزمة النفايات في صيف 2015.
الحكومة السابعة كانت حكومة الحريري بعد الإنتخابات الرئاسية في العام 2016 وكانت حكومة وحدة وطنية لم تستطع إنجاز الإصلاحات، وأشرفت على الإنتخابات النيابية التي أفرزت أكثرية موالية لـ”حزب الله”، لتأتي الحكومة الثامنة بعد الإنتخابات برئاسة الحريري وكانت أيضاً حكومة وحدة وطنية وأُسقطت في الشارع بفعل ثورة 17 تشرين.
أما الحكومة التاسعة، فكانت حكومة الرئيس حسان دياب التي أتت تحت عنوان “التكنوقراط” وأثبتت التجارب انها حكومة سياسية مقنّعة لم تستطع الإستمرار وسقطت بعد زلزال 4 آب.
وبعد عرض كل أشكال الحكومات، يبقى السؤال هل ستشكَّل حكومة تلبّي تطلّعات الشعب ولا تشبه سابقاتها، أم سيكون للبنان حكومة تستكمل مسلسل الإنهيار والإفلاس؟