Site icon IMLebanon

“وزراء الإنقاذ”… على طريقة اختيار “الأديب”

 

غادر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بيروت، لكنه سيعود مطلع كانون الأول. هي سابقة في تاريخ لبنان الحديث، أن يقوم رئيس دولة أجنبية، أوروبية تحديداً بثلاث زيارات متتالية إلى لبنان في أقل من أربعة أشهر، ليواكب عن كثب المشروع الإصلاحي الذي يُنتظر أن تعمل عليه حكومة مصطفى أديب العتيدة.

 

في الواقع، إنّ من يعتقد أنّ الرئيس الفرنسي يخاطر بصدقيته وبوقته كي يواجَه بممانعة القوى السياسية اللبنانية، او بعرقلة غير محسوبة من الجانب الأميركي، ربطاً بالنظرية التي تقول إنّ باريس تتحرك في لبنان بلا أي تنسيق مع الإدارة الأميركية، لن يعجبه مآل المبادرة الفرنسية.

 

وفق المتابعين للحراك الباريسي، فإنّ أبعاداً ثلاثة تحصّن هذه الاندفاعة نحو الحوض الشرقي للمتوسط: الأول هو البعد الاقليمي المرتبط بتوسع النفوذ التركي، الثاني هو البعد الداخلي المتصل بمكانة الرئيس الفرنسي أمام ناخبيه في محاولة لاستثمار أي انجاز خارجي من خلال تعزيز أرقامه في استطلاعات الرأي، أما البعد الثالث فيعود إلى العلاقة الثنائية الفرنسية – اللبنانية في ضوء المراجعة التي أجريت في الاليزيه خلال الفترة الأخيرة حول تراجع الحضور الفرنسي في لبنان، خصوصاً خلال الحرب السورية التي فقدت فيها باريس عنصر التأثير ما دفعها إلى وضع خطة لعودتها إلى الشرق الأوسط، اذ شعر الفرنسيون أنّهم دفعوا ثمن غيابهم عن لبنان، في سوريا.

 

هكذا، بدأت الإدارة الفرنسية التحضير لملف لبنان من لحظة هبوب عاصفة الانهيار المالي في ضوء رفض القوى السياسية تقديم أي تنازلات من شأنها تسريع العملية الاصلاحية. يكشف المتابعون أنّ المسؤولين الفرنسيين أجروا عشرات اللقاءات مع مسؤولين لبنانيين رسميين وغير رسميين لتكوين ملف شامل وكامل ومفصل عن الوضع اللبناني، شكّل أسس الورقة الاصلاحية التي ستحرص باريس على اقرارها في المؤسسات الدستورية. ولهذا بدا ماكرون ضليعاً بكل شاردة وواردة ومعنياً بكل التفاصيل اللبنانية وزواريبها.

 

حسناً، قال ماكرون ما لديه. عرض الجزرة والعصا وعلى القوى السياسية أن تختار ما تريده من الاثنتين. مع انطلاق الاستشارات النيابية غير الملزمة، بدت الكتل النيابية الخارجة من لقاء رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب، أشبه “بتجمعات ملائكة” لا شياطين. لسان حال كل الكتل: لا نريد شيئاً لأنفسنا. لا مطالب ولا شروط. متعففون ومترفعون عن السلطة والحصص. الكل يترك طابته في ملعب رئيس الحكومة. لم يجرؤ أي من الكتل المشاركة لا سيما أولئك أصحاب “النفوس الجشعة”، على التلميح بحصّة أو بفكرة حتى.

 

الأرجح أنّ هؤلاء لا يزالون تحت تأثير الصدمة مما سمعوه من الضيف الفرنسي. الكل يزينها بميزان التوازنات الدولية: هل ستكون باريس جدية في إجراءاتها العقابية؟ هل ستتدخل واشنطن لكبح جماح الاندفاعة الفرنسية؟ ولهذا تترقب القوى السياسية الحدفة الأولى التي يفترض أن تأتي من جانب رئيس الحكومة المكلف.

 

حتى الآن، لا جواب واضحاً حول ما يدور في رأس مصطفى أديب. هو ليس خريج النادي التقليدي لرؤساء الحكومات، ولا يمكن التكهن بما سيقدم عليه. وحدها الإشارات التي أطلقتها باريس حول رؤيتها للحكومة العتيدة، حاضرة على طاولة النقاش الداخلي. أما غير ذلك فمتروك لحراك رئيس الحكومة المنتظر.

 

يقول المعنيون إنّ الجدول الزمني الذي وضعه الرئيس الفرنسي والذي حدد مهلة التأليف بخمسة عشر يوماً، يستدعي من رئيس الحكومة التحرك على عجل. ولهذا يفترض أن تشهد الساعات القليلة المقبلة أول حدفة من جانب الداخل الجديد إلى نادي رؤساء الحكومات. لا تشبه عملية التأليف المنتظرة، كل سابقاتها. فإما تدل مؤشرات الساعات الثماني والأربعين المقبلة على مسار محمي سيساهم في ولادة الحكومة، وإما تنسف محاولة مصطفى أديب من أساسها.

 

حتى الآن، تدلّ المؤشرات على أنّ الرجل لن ينتظر ما ستعرضه الكتل النيابية، كما يحصل عادة في جولات التأليف التقليدية. الانطباع السائد لدى بعض من التقى رئيس الحكومة المكلف أنّه سينطلق من Draft شبه جاهزة بمكوناتها، لعرضها على الكتل النيابية والأخذ بملاحظاتها، وليس العكس.

 

ولكن ماذا عن التدخل الفرنسي؟

 

بالنسبة لمتابعي الحراك الفرنسي، إدارة ماكرون ليست من النوع الذي يحبّذ الغرق في تفاصيل الأسماء. ستكتفي بوضع معيار أو “بروفيل” للوزراء المرغوبين لهذه المرحلة: الكفاءة والنزاهة وعدم الارتباط السياسي المباشر وأصحاب خبرة. اذ يدرك الفرنسيون أنّ اللجوء إلى سير ذاتية لتكنوقراط غير مسيسين بالكامل دونه صعوبات، لأنّ ذلك قد يؤدي إلى غرق الوزراء في متاهة السياسيين فضلاً عن صعوبة اختيار أشخاص مستقلين بالكامل وقبول القوى السياسية بهم.

 

ولهذا يسود الاعتقاد أنّ مروحة الخيارات لن تتعدى وزراء يكون لديهم الحدّ الأدنى من الارتباط وأصحاب خبرة في العمل الإداري كسباً للوقت، على طريقة اختيار رئيس الحكومة. الأخير غير حزبي ولكن تربطه علاقة سياسية برئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي وله خبرة في العمل الإداري ويعرف القوى السياسية عن كثب. وبالتالي باستطاعته أن “يقلّع” سريعاً. وهذا ما يُراد للوزراء الجدد.