IMLebanon

«الاعتذار» الورقة الأقوى لتذليل عقبات التأليف… وإلا «فالارتطام» كبير

 

«تحالف الخارج» والمنظومة الحاكمة وجهاً لوجه في زمن هدنة «الوقت المستقطع»

 

الحكومة العتيدة لا بد من أن تبصر النور في غضون 15 يوماً على توقيت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. التفاؤل بتأليف سريع لم يخفت بعد، وإن كانت مؤشرات العقبات بدأت تطل برأسها أمام الرئيس المكلف مصطفى أديب. يمكن إدراج تلك المؤشرات على انها رفع للسقوف لتحسين شروط التفاوض، لكنها في العمق تحمل عوامل تفجير ليست بقليلة. فبين المطالبة بالمداورة على لسان رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، المدرك لاستحالة بقاء وزارة الطاقة في عهدة تياره، وبين تأكيد عضو حركة «أمل» أيوب حميد التمسك بالتوقيع الشيعي الثالث (على المراسيم بعد توقيعي رئيس الجمهورية والحكومة) المؤمّن فقط عبر وزارة المال، تحط أعقد العقد، التي قد لا يكون سهلاً على أديب معالجتها دون الاستعانة بـ«المفوض السامي» أو الاتكاء على «عراب» قانون «ماغنتسكي» او التلويح بالورقة الأقوى في يده وهي الاعتذار.

 

فمكمن قوة الرئيس المكلف هي ورقة الاعتذار، ذلك أن تكليفه جاء بزخم دولي واجهته فرنسا، التي حظيت بدور الوكيل في «الوقت المستقطع»، ويراهن ماكرون باسمه وصدقيته على طاولة البازار اللبناني، ما يعني أن دفع القوى السياسية بأديب إلى الاعتذار عن التكليف، يعني اعلاناً صريحاً بإخفاق ماكرون في تعهده، وفشل «الزخم الدولي» بما يشكله من «تحالف الخارج» أمام شراسة تحالف مصالح المنظومة الحاكمة. فالمواجهة ستكون محتدمة ولا يمكن تالياً للفشل ان لا يكون مكلفاً وأن تبقى دونه عواقب على لبنان داخلية ودولية.

 

الرئيس المكلف المغمور، لا يشبه حسب عارفيه، سلفه «الزاهد» الذي هددنا بأنه لا يستقيل أبداً مهما عَظمت الضغوط عليه. كان هذا يومها عز الطلب لدى باسيل المهووس بكيفية توجيه الصفعات لسعد الحريري، وشرط لدى «حزب الله» الذي يريد رئيس حكومة متمسكاً بكرسيه. فهو كان رأس الحربة في معركة تكسير رأس الأميركيين، وفي هدم ما تبقى من مرتكزات الدولة، التي تخلفت للمرة الأولى في حياتها عن سداد ديونها الخارجية، ما سرع في انهيار الثقة المالية بلبنان.

 

رصيد نادي رؤساء الحكومات الأربعة على المحك، وغطاء الحريري ليس مفتوحاً إلى ما لا نهاية

 

أديب أسرَّ في لقاء مع رؤساء الحكومات السابقين الذين رشحوه، أنه لن يتوانى عن الاعتذار أو الاستقالة إذا مورست عليه ضغوط في الأسماء والحقائب. قال أمامهم إنه لم يأت لتشكيل حكومة تضم سياسيين. وأعلن بعد الاستشارات البرلمانية غير الملزمة أن «الحكومة يجب أن تكون حكومة اختصاصيين تستعيد ثقة اللبنانيين والمجتمعين العربي والدولي، وأن تكون أولويتها السلم الاهلي ومعالجة المشكلات الداهمة والازمة الاقتصادية والصحية وكارثة المرفأ والاصلاحات البنيوية».

 

هو اليوم يحظى بمظلة سنية سياسية وازنة، من نادي رؤساء الحكومات: مهد الطريق له نجيب ميقاتي، رشحه الحريري، واذاع بيان تبنيه فؤاد السنيورة. وجد هؤلاء أنفسهم أمام معضلة الخيارات المحصورة باثنتين: إما تَرْكُ لبنان أمام مصير الارتطام الكبير الآتي حكماً بعد أشهر قليلة، وإما التقاط الفرصة التي أطلت من النافذة الفرنسية. ولان لا أحد من الرؤساء الحريري وميقاتي وسلام راغب في التعامل المباشر مع العهد، ولا فرصة للسنيورة الذي ذاق منه «الثنائي الشيعي» سابقاً الأمرّين خلال وجوده في السراي الكبير، كانت الاقتراحات التي أوصلت إلى أديب والذي كان صدى تسميته باهتاً إلى أبعد الحدود.

 

قد يُشكل مصطفى أديب مفاجأة، رغم أن أداء الرؤساء الأربعة شكل صدمة، ذلك أنه اتسم بكثير من الاستخفاف في التعامل مع موقع الرئاسة الثالثة وفي كيفية مقاربة الأزمة السياسية الغارقة بها البلاد، وتداعيات اعلان قرار المحكمة الخاصة بلبنان في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والتي أشرت إلى سلوك متماد على طريق المهادنة والتسليم حتى الاستسلام من قبل الحريري الابن. وكل ذلك تحت ذريعة الحرص على البلاد، فيما التلكؤ عن اتخاذ خطوات سياسية سلمية رادعة من شأنها أن تعزز الاستمرار في النمط السائد من التهميش والسيطرة والتطاول. كان على نادي الرؤساء أن يقترح أسماء مجربة في حقولها العملية ووازنة وذات صدقية ومقبولية، فإذا كان مطلوباً منهم التعاون، فهو مطلوب من القوى السياسية الأخرى ولا سيما تلك التي تمسك بالسلطة وتعاني الإخفاق وراء الإخفاق.

 

يحظى الرئيس المكلف بشرعية من «البيت السني»، على عكس دياب الذي سار عكس التيار. لكن رصيد نادي الرؤساء على المحك، وفي مقدمهم رصيد الحريري الذي ابلغ من يعنيهم الأمر أن العراقيل التي قد توضع أمام أديب سيتعامل معها على أنها عراقيل أمام شخصه، وان الغطاء الذي منحه لأديب ليس مفتوحاً إلى ما لا نهاية. فلا أحد يملك ترف الوقت ولا ترف التذاكي والمناورة.

 

ما هو المأمول إذا سارت الأمور كما هو مرسوم لها فرنسياً؟ يقول مرجع حكومي سابق: إن المواجهة الحالية بين هذا «الزخم الدولي» والقوى السياسية المؤثرة داخلياً ستكون صعبة. الطرفان أقوياء، لكن تحالف الداخل سيحاول تفريغ الحكومة من قلبها، في لعبة تمرير للوقت المستقطع دون الذهاب إلى ولوج باب الإصلاحات المحددة ولا سيما في حقائب الطاقة والمالية والاشغال والاتصالات، حيث المزاريب الكبرى للفساد. وستشكل عندها حكومة أديب استكمالا لحكومة دياب، وتسرع الطريق إلى هاوية القعر، حيث سنشهد الارتطام الكبير. أما إذا استجاب الجميع للهبّة الدولية على وقع انفجار 4 آب، وانكفأوا لترك الحكومة على إدارة الانهيار، فعندها يمكن أن يحصل الهبوط الآمن، في أسوأ الأحوال، وصولا إلى بدء الخروج من اعماق الحفرة في أحسنها!