Site icon IMLebanon

الجولة الثانية من الاستشارات: التفاهم قبل التكليف؟

 

 

من المفيد جداً التدقيق في الأسباب التي دفعت بسفير لبنان لدى برلين مصطفى أديب، إلى تقديم اعتذاره عن تأليف حكومة يفترض أنّ دولة كبرى تقف خلفها داعمة لجهود يقوم بها بالإنابة عن الفريق السياسي الذي سماه.

 

لا يختلف فريقان في تقييمهما، أنّ العوامل الخارجية لا تقل تأثيراً عن تلك الداخلية. حتى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لم يهمل هذا التزاوج. التوتر الأميركي – الإيراني في أقصى لحظات تشدده بشكل قد يضعف الفرصة الفرنسية ويضيّق من هوامشها. لكن التعقيدات الداخلية ليست بريئة من دمّ تفشيل المسعى الباريسي، والتي حالت دون دخول أديب نادي رؤساء الحكومات السابقين.

 

إذ دلّت الوقائع أنّ ثمة أفخاخ وأخطاء وقعت فيها المبادرة، ساهمت في عرقلة تنفيذها وبروز عراقيل لم تسمح لها بإكمال الطريق على نحو سليم. وعلى سبيل المثال لا الحصر، الالتباس الذي أثاره الموقف الفرنسي من هوية الحكومة التي يشجع على قيامها. فماكرون تحدث في اللقاء الأول الذي استضافه لرؤساء الكتل النيابية في قصر الصنوبر، عن حكومة وحدة وطنية أو أقله حكومة مقبولة من كل القوى السياسية، وقد اعتبرت هذه الأخيرة، أنّ باريس لا تعارض قيام حكومة من النوع الكلاسيكي وفق المفهوم اللبناني.

 

ولكن سرعان ما تبيّن أنّ الادارة الفرنسية تعمل على قيام حكومة من الاختصاصيين، بحيث تبيّن أن الرئيس الفرنسي وقع في سوء التوصيف، الأمر الذي أثار التباساً لدى بعض القوى. وهذا ما دفع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ومعه نادي رؤساء الحكومات السابقين، ولو أنّ هؤلاء عادوا وتباينوا في مواقفهم، إلى استثمار تلك اللحظة السياسية لتمرير حكومة اختصاصيين تنقضّ في تركيبتها على التوازنات الحكومية، خصوصاً وأنّ بيت الوسط هو من تولى وضع الترشيحات الحكومية، ما دفع الثنائي الشيعي الى التشدد في موقفه ورفع سقف مواقفه على نحو متدرج، أدى في النهاية الى اصطدام الجناحين، واعتذار مصطفى أديب.

 

وعليه، يقول المتابعون إنّ تجربة الأيام الماضية يفترض أن تكون درساً للفرنسيين للتعلم من الأخطاء التي وقعوا فيها، بدليل تغيير بعض أركان الفريق المكلف بالملف اللبناني والذي عرف بخلية الأزمة، بفعل التعثّر الذي أصاب سلوك الادارة الفرنسية وأوقعها في مطبات عديدة.

 

وبناء عليه، يقول هؤلاء إنّ الجولة الثانية من المبادرة، والتي أكّدها الرئيس الفرنسي، قد تستدعي الكثير من التأني في الوقت وفي المشاورات قبل وضعها موضع التنفيذ. وهذا ما يفسّر ما كشفت عنه محطة “روسيا اليوم” عن اتصال قام به ماكرون بولي العهد السعودي محمد بن سلمان. إذ يقول المتابعون إنّ الممانعة السعودية لأي حكومة قد يكون “حزب الله” شريكاً فيها بالمباشر أو بغير المباشر، كانت العقدة الأصعب في خشبة الحكومة. ولذا قرر ماكرون الانطلاق في مسعاه المنقّح من اتصاله بالرياض.

 

ومع ذلك، يقول المتشائمون إنّ ماكرون سبق له أن حاول مرتين مع ولي العهد السعودي لاقناعه بعودة الحريري إلى السراي الحكومي، ولم يفلح في الأمر، ليسألوا: ما الذي تغيّر ليقبل السعوديون بما كانوا يرفضونه منذ أيام؟ واذا ما قبلوا، بأي شروط؟ وهل يستطيع الحريري الالتزام بهذه الشروط أم سيضطر إلى التقدم للأمام لملاقاة الثنائي الشيعي، خصوصاً بعد اعلانه انه غير مرشح ولن يسمي أحداً؟ ماذا عن موقف الثنائي بعد “الضرب” الذي تعرضوا له، وفق توصيفهم، من الحريري؟ هل باتت التسوية مع رئيس “تيار المستقبل” متاحة لا سيما وأنّ ما يرشح عن الثنائي يشي بأنّهم إلى مزيد من التشدد والتصلب في موقفهم الحكومي؟

 

ولهذا يقول هؤلاء إنّ رئيس الجمهورية ميشال عون لن يكون مستعجلاً في الدعوة الى اسشارات نيابية كما حصل في الجولة الأولى حين فرضت الزيارة الثانية لماكرون تحديد موعد سريع لتسمية رئيس حكومة مكلف. أما في الجولة الثانية، فالأمور ستكون رهن المشاورات مع “الانتحاري” الجديد الذي سيقبل بتسميته رئيساً للحكومة. ولهذا يستبعد تحديد موعد قبل التوصل الى حدّ أدنى من التفاهم مع خليفة مصطفى أديب.