قصة رفع الدعم تحوّلت إلى رعب يومي يعيشه الناس. متى يُرفع الدعم؟ سؤال يتكرر من دون أن يجد من يجيب عنه. إجراءات بالتقسيط تجرى لتقليص كلفة الدعم، لكن لا شيء واضح. المصرف المركزي تخلى عن فكرة الإبلاغ عن وضع الاحتياطي. رياض سلامة يسعى لكسب الوقت إلى حين تأليف الحكومة. لكن لا خُطط واضحة لمواجهة احتمال تأخر ولادة الحكومة، لا لدى مصرف لبنان ولا لدى القوى السياسية. ثمة لامبالاة مخيفة لن يدفع ثمنها إلا الناس
طال انتظار رياض سلامة لسعد الحريري. بالنسبة إليه، حُسم الأمر منذ زمن. لا إمكانية للتعامل مع الرئيس حسان دياب. كان قبل استقالة الحكومة مضطراً، لكنه اليوم لم يعد كذلك. يتعامل معه بالحد الأدنى ويؤجل أي خطوة يمكن القيام بها إلى حين تأليف الحكومة الجديدة. على ما تؤكد المعلومات، فقد عقد سلامة أكثر من اجتماع مع الحريري، اتفقا خلالها على الكثير من الأمور. يُحكى أن الحريري، الذي طلب من ضيفه عدم القيام بأي إجراء جوهري قبل تأليف الحكومة، طمأنه إلى أن الدعم الخارجي مضمون، بعد تأليف الحكومة. مرّ شهر على تكليف الحريري، لكن من دون أن يتمكن من التأليف.
سبق أن أعلن سلامة، منذ ثلاثة أشهر، أن الاحتياطي الإلزامي سينفد خلال ثلاثة أشهر، معلناً حينها أن لا بديل من رفع الدعم. مرّت الأشهر الثلاثة، من دون أي تغيير جوهري في سياسة الدعم. ما حصل هو ترشيد الدعم على بعض السلع، ولذلك فإن التوقّعات تشير إلى أن الاحتياطي قد يكفي شهراً أو شهرين إضافيين. مع ذلك، لم يعد يُسمع صوت حاكم مصرف لبنان ولا استنفرت الحكومة لإيجاد مخرج. الكل يعتبر إعلان رفع الدعم بمثابة الكأس الذي لا يريد تجرّعها. لكن الخوف يزداد من توقف مفاجئ للدعم. مصدر مسؤول يشير إلى أن ذلك لن يحصل، لأنه حتى لو رفض سلامة استعمال الاحتياطي الإلزامي حالياً، فهو سيستعمل جزءاً منه في النهاية، في مسعاه لشراء الوقت، إلى أن يتمكن الحريري من تأليف الحكومة. في المقابل، فإن مصادر معنية تجزم بأن المشكلة ليست في المصرف المركزي، بل في السياسة. ما يُعطّل كل الحلول هو تأخّر تأليف الحكومة. ذلك كلفته عالية على الاقتصاد، لكن لا أحد من المسؤولين يهتمّ. يسأل: هل الضغوط الاقتصادية التي يتعرّض لها الناس تُساهم في تعجيل التأليف؟ وهو إذ يجيب بالنفي، يؤكد أن الحديث عن ترشيد الدعم يفترض أن يكون بديهياً، إذ لا يعقل أن يستمر الغني والفقير في الحصول على الدعم نفسه. مرة جديدة يقول المصدر إن ذلك ليس وظيفة المصرف المركزي. من يُحدّد الفئات الواجب دعمها هو الحكومة، وإلى أن تُقرّر فإن المصرف لا يملك الأدوات للتمييز بين من يجب دعمه ومن لا يجب، وإنْ تؤكد مصادره أنه لم يعد بالإمكان استمرار الدعم بالطريقة الحالية. الحديث يتركز على البنزين. سبق أن طرحت مسألة تخفيض الدعم إلى ٧٠ في المئة بدلاً من ٩٠ في المئة. المشكلة أن خطوة كهذه ستترافق مباشرة مع ارتفاع كبير في سعر الدولار. إذ إن تأمين ٣٠ في المئة من السوق يعني الحاجة إلى ٦٠ مليون دولار نقداً في الشهر، ما يزيد الطلب على الدولار.
بطاقات الدعم خيار حتمي ينتظر تأليف الحكومة
رغم ذلك، فإن تخفيض الدعم بدأ يتحول إلى أمر واقع في أكثر من قطاع. وزارة الصحة تعمد إلى تخفيض لائحة الأدوية المدعومة، على اعتبار أنه لا يعقل أن تصل كلفة الدعم على الدواء إلى ١,٢ مليار دولار، في حين أن الفاتورة الدوائية في بلدان تفوق لبنان في عدد السكان لا تصل إلى نصف هذا الرقم. وزارة الاقتصاد خطت خطوة بدورها وخفّضت السلة الغذائية المدعومة نحو ٥٠ في المئة، بعدما انخفض المبلغ الذي يُخصّصه المصرف المركزي للسلة من ٢٠٠ مليون دولار إلى ٨٠ مليوناً.
تلك حلول مؤقتة بحسب مصادر المصرف. الأولوية تبقى لتخصيص الدعم للفئات المحتاجة. لذلك، لا يزال سلامة يعتقد بأن لا بديل من بطاقة الدعم. وهو سبق أن أبلغ المعنيين أنه مستعد للمساعدة التقنية لتحويل هذا الأمر إلى واقع، إلا أن الأمر يحتاج إلى قرار حكومي. بحسب المعلومات، فإن في المجلس المركزي لمصرف لبنان رأيين: رأي يرى أنه لا يجب تحديد الفئات المحتاجة، بل الفئات غير المحتاجة، بحيث تعطى البطاقة للبقية. هامش الخطأ في ذلك أقل من هامش الخطأ الذي يمكن أن ينتج من تحديد الفئات الأولى، كونها أكبر عدداً. الرأي الثاني يتبناه سلامة، ويشير إلى إعطاء البطاقة لكل اللبنانيين. بذلك يتمكن مباشرة من استبعاد مليون و٨٠٠ ألف مقيم بين سوري وفلسطيني، على أن تُحمّل مسؤولية دعم هؤلاء إلى الجهات الدولية المعنية. أما بشأن اللبنانيين، فيتوقع عندها أن يمتنع نحو ٣٠ في المئة من الاستحصال على البطاقة.
كل ذلك لا يزال حبراً على ورق. المسؤولية الأولى سياسية. وأيّ تأخير في تأليف الحكومة يعني مزيداً من المخاطر التي تواجه المجتمع، والتي لن ينقذها استمرار الدعم.