Site icon IMLebanon

مَنْ يعلن الطبقة الحاكمة متهمة بالتمرُّد على القانون؟  

 

 

 

هل تتبعت تجمعات أهالي الطلاب اللبنانيين، الذين يدرسون في الخارج، بالشعارات، التي رفعوها، أو الأصوات الصادحة من حناجرهم، في شوارع الحمراء، وأمام مبنى المصرف المركزي، والمصارف، التي يقال عنها، أنها مصارف فئة أولى، في بيروت وصيدا، والنبطية، وشتورا، وحلبا، وسائر الأقضية والمحافظات اللبنانية؟

ماذا كانوا ينشدون؟ تطبيق قانون «الدولار الطالبي»، والذي يقضي بإلزام البنوك بإجراء تحويلات، بما لا يقل عن عشرة آلاف دولار (10.000د/أ) أميركي، إلى كل طالب، بسعر الصرف الرسمي 1515 ليرة لبنانية لكل دولار، وفقاً لما ينص عليه القانون المذكور. والأموال التي يتعين تحويلها، هي أموال هؤلاء الأهالي، التي اودعوها في المصارف، وبالعملات الأجنبية، ليتسنى لهم، في يوم من الأيام، أن يلبوا احتياجاتهم، وإحتياجات أبنائهم.. وقد أتى وقت الحاجة، من دون جدوى..

لاحظ معي أن حركة الأهالي، تهدف إلى تطبيق القانون.. لا إلى رفض القانون، والمطالبة بتغييره. كانت العادة، التي درجت أن النّاس، أو الفئات القطاعية، تخرج إلى الشارع، من أجل المطالبة، بتغيير القوانين، أو سنّ تشريعات، وآليات حكم جديدة.. الشعب هنا، يطالب بتطبيق القانون..

أما الجهات المعنية بالسهر على تطبيق القوانين، أو الغائبة عنه، أو المعنية بالفصل بالمنازعات، فهي متوارية عن الأنظار، وسؤالي: كيف تتمرد المصارف على تطبيق القوانين، وتلجأ إلى إلزام عملائها أو زبائنها باحترام الإجراءات والعقود التي ترعى العلاقة بين المصرف والعميل، أو بين الدائن والمدين؟ ومَن يُلزم المصارف بتطبيق القوانين؟ ولماذا يستنكف مصرف لبنان، الذي هو السلطة النقدية، المولجة، بموجب التشريعات بحماية النقد والانتظام المالي، عن القيام بدوره؟ وأين القضاء، وأين السلطات الرسمية، التي اعطتها القوانين والأنظمة حماية المجتمع ومصالحه؟

الجواب، بساطة.. فتش عن دور الطبقة السياسية، الغير واضحة الهوية، بين ذهبية، أو فضية، أو حتى نحاسية، بتعبيرات أفلاطون..

خذ مثالاً آخر، تحركات أهالي شهداء أو ضحايا الانفجار الزلزال، الذي ضرب مرفأ بيروت، وأجهز على منازل، ومنشآت وأبنية وعمارات، ومصانع ومصالح في المحيط الجغرافي المحاذي، من شوارع الدورة إلى الجميزة، وصولاً إلى الوسط التجاري، والاشرفية، وزقاق البلاط، والخندق الغميق، ورأس النبع وغيرها، وأدى إلى موت ما لا يقل عن 200 مواطن، وعامل، ومستخدم، وموظف من المرفأ إلى المنازل المنكوبة، إضافة إلى ما لا يقل عن 6000 جريح.

ومطالب الأهالي، الذين بُحّت أصواتهم، وعبرت دمعات النسوة، الأمهات والزوجات، والبنات، والمترملات، وسائر السيدات، اللواتي نزلن إلى الشوارع، من المرفأ إلى قصر العدل، لا لشيء، بل إلى تطبيق القانون، الذي يعاقب المجرمين، الذين سيُدانون، والمتسببين بالجريمة المروعة، وسائر الجرائم المتفرعة  عنها، من دمار، وقتل، وتخريب وما شابه..

هل رأيت بلداً، يستمد فيه القاضي حصانته، من حركة الشارع، في غير هذا البلد، حيث فقط القاضي وظيفته، ووجد نفسه، بصرف النظر عن ان القضاة، مثلهم مثل سائر أبناء جنسهم، يعملون ويخطئون، فهم ليسوا بملائكة أو أنصاف آلهة..

أُبعد المحقق العدلي فادي صوان، عن الملف بقوة الحجة القضائية، بقرار من محكمة التمييز الجزائية، الغرفة السادسة، بعد دعوى تقدّم بها النائبان في كتلة «التنمية والتحرير»، وهما وزيران سابقان: وزير المال السابق علي حسن خليل، ووزير الاشغال في حكومة سابقة غازي زعيتر، بصفتهما مدعى عليهما من قِبل المحقق صوان، إضافة إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، ووزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس، وذلك بموجب الفصل التاسع (المادة 340) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

أوقف صوان السير بالدعوى، من دون ان تكون محكمة التمييز، طلبت منه ذلك، وعلى وقع صيحات أهالي الشهداء، استأنف التحقيقات، فعاجلته محكمة التمييز بقرار رفع يده، وإحالة القضية إلى مرجع آخر من الدرجة نفسها لمتابعة النظر فيها..

وبصرف النظر عن مجريات الأمور، وكيف ستسير مجريات الإجراءات من قِبل المحقق العدلي الجديد، فإن النصرة لم تأتِ للمحقق العدلي الأول، إلَّا من الشعب، الذي يريد تطبيق القانون، لمعرفة الحقيقة (هذا الحلم البشري التاريخي، معرفة الحقيقة، وهي المهمة المستحيلة!!).

اصطدم صوان، إن حكى في يوم ما، بالطبقة السياسية، التي أظهرت تمرداً بوجه ما اعتبرته «إجراءات خاطئة»، ثم قصمت ظهره بقوة القضاء نفسه، وأقصته بعيداً، بعدما امتلك من المعلومات المكتوبة، والمعلومة، الكثير الكثير، كما اصطدم بالقوة الرسمية، والقوة الأمنية، أو قوة المافيات الدولية والخارج..

فترت همّة الرجل، وأخفق في شفاء غليل أهالي شهداء المرفأ، بمعرفة الحقيقة على يده.. فهل سيحدث هذا على يد قاضٍ آخر، هو القاضي طارق بيطار، الذي عادت كرة التعيين إلى ملعبه، صاغرة، بقوة الأمر الواقع..

وعلى وقع، تحركات مطلبية ضخمة، من أن الشعب يريد «تغيير الحكام»، وتطبيق النظام، بعد فرض الحكومة رسوماً على الاتصالات عبر الانترنت في 17 تشرين أول (أكتوبر) العام 2019، خرج ألوف اللبنانيين من مختلف الطوائف، في الاحتجاجات متهمين الزعماء بالفساد وسوء إدارة الاقتصاد.

هدأت هذه التحركات، التي ملأت شوارع العاصمة، وامتدت إلى الشمال والجنوب والبقاع والجبل، بعدما قدم الرئيس سعد الحريري (وهو رئيس الحكومة حينها) استقالته.. وأصبح عندها لبنان، بلا قيادة (حكومة) وتفاقمت الأزمات الواحدة تلو الأخرى، ودفع شح العملة الصعبة (الدولار والعملات الأجنبية الأخرى) البنوك لفرض قيود صارمة على سحب الأموال، والتحويلات إلى الخارج.

ما أشبه اليوم، بالبارحة، وصلت المفاوضات، بعد شهرين إلى طريق مسدود، ولم يتمكن الحريري من تأليف حكومة، تحاكي ألم الشعب وصيحاته في الشوارع، ضد الطبقة الحزبية، المذهبية، الطائفية القابضة على مقدرات الدولة، وقرر الرجل الابتعاد.. وها هو اليوم، أي الحريري، بعد أحداث جسام في عالم وأشهر قليلة خلت يواجه الأزمة نفسها، والطريق المسدود نفسه، لكنه قرّر البقاء، في المواجهة حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً..

بعد انفجار مرفأ بيروت، استقالت حكومة دياب، التي تألفت بعد إفشال الحريري، ودفعه إلى المضي بعيداً، قبل ان يعود رئيساً مكلفاً. ودياب وصفته وكالة «رويترز» حينها بأنه «أكاديمي غير مشهور ووزير سابق للتعليم».

وكأن من أبرز إنجازات حكومته، كما يردّد هو، ومعه وزراء وحلفاء، الإعلان في 7 آذار 2020 ان لبنان غير قادر على دفع سندات مستحقة، ودعا دياب إلى مفاوضات لإعادة هيكلة الديون… ولم يحدث شيء من هذا القبيل، ولا أحد يعرف ماذا يحدث على جبهة الاقتصاد، سوى التصنيفات القاتلة لهذا البلد.

في آخر التقديرات أن فقراء لبنان باتوا على مشارف الـ2،7 مليون فقير بين معدم ومتوسط الفقر..

ومن آخر المؤشرات الصعبة، ما عمَّم على مواقع التواصل من «بوسترات» تتحدث عن وضعية الجنود ورجال الأمن، وفيه: «انا العسكري اعتذر عن خدمتك يا وطني لبنان». وفيه: «تركت حفظ الأمن لمن نهب حقوقي وسرق حلم أبنائي، وهم أصحاب الخطابات الرنانة والقرارات الجوفاء…».

في الطريق إلى الحدّ من «الإنهيارات الكارثية».. لم تسقط بعد محاولات ترقب حكومة جديدة، بصرف النظر عن الحسابات، لكن السؤال: ماذا عن مصير شعب بقي مسالماً، بالرغم من كل فورات الغضب.. وماذا عن العسكري، الذي لم يعد يكفيه معاشه شيئاً.. ثم ماذا عن الأمن والشارع، وانفراط وحدة الإنتماء الوطني في بلد تصدعت قوانينه؟!