IMLebanon

الإنكار في أبهى تجلّياته

 

 

لم يحصل حتى الآن، في تاريخ الحكومات اللبنانية أن طرحت القوى السياسية برنامجاً محدداً تشارك بموجبه في الحكم، ولَم يضع رئيس مكلف نهجاً وشروطاً يقبل بموجبها تشكيل حكومته. واعتادت القوى الطائفية المذهبية المسيّسة ان تفاوض على حصصها اسماء ومناصب بدل ان تقول ماذا تريد من وراء مطالبتها بهذه الأسماء والمناصب.

 

ربما كانت هذه اللعبة تمر في زمن عادي، حيث “البلد ماشي … والشغل ماشي”، الا انها في ظروف لبنان الراهنة تبدو غير معقولة بل عبثية، وإن دلت على شيء، فعلى مدى إمعان القوى السياسية المتسلطة في إنكار، ليس فقط طبيعة وخطورة الأزمة المقيمة، بل إنكار وجود الشعب اللبناني بملايينه المقيمة والمهاجرة، ومطالبته عبر انتفاضته المستمرة منذ شهرين ونصف بتدابير سياسية ومالية واقتصادية واجتماعية، توقف النهب الذي يتعرض له والمجاعة التي تهدده، وتؤسس لحكم رشيد وموثوق يعيد لبنان وطناً طبيعياً لأهله.

 

كانت الورقة التي طرحها سعد الحريري عشية استقالته المحاولة شبه الوحيدة لاستلحاق الخراب المقبل، وهي جاءت منقوصة وتحت الضغط ولَم يعقبها أي مداخلة جدية من جانب قوى الطاقم الحاكم لرسم معالم العلاج الضروري. انصرفوا جميعهم الى البحث عن حصتهم في الحكومة المقبلة، وتنازعوا على الحصص والمواقع وعلى ولاء رئيس الحكومة العتيد، وعندما اتفقت القوى المهيمنة بقيادة “حزب الله” على شخصية دولته، لم تكن كفاءته واحتمالات دوره الموعود في الإنقاذ أساساً في الاختيار، وإنما جعلوا من ولائه الممتحن سابقاً في حكومة القمصان السود عنصراً حاسماً في تنصيبه. وبعد التنصيب لم يتفوه بكلمة عن شؤون الأمة ومأساتها. لم يقل كيف سيعالج نهب وطن وتهريب أمواله، ولا كيف سيتعامل مع انهيار الاقتصاد والمالية العامة… حتى لا نتحدث عن هيمنة الميليشيا على الدولة وتلويح علي اكبر ولايتي باستعمالها لتدمير العدو الصهيوني الغاصب!

 

والذين يعملون معه على انتاج الحكومة المنتظرة، حسب تعبير احد منظري المرحلة، لم يعيروا اهتماماً لهذه الشؤون “التافهة”. فهمّهم مثل همّه: موقعهم في هذه الحكومة، ونظريتهم منذ بدء التكوين: “الحصة هي القصة”، اما آخرون من الطاقم إياه فوجدوا ان العلاج الذي لا بد منه لمشكلة لبنان هو في العودة الى الطبيعة: اليوم زراعة القمح والشعير وغداً استبدال السيارات بالدواب…

 

هل هو غباء أم استغباء أم إنكار للازمة ولوجود اللبنانيين في الأساس؟ انه كل ذلك معاً، ولهذا السبب لن ينجح اختيار دولة الرئيس الجديد، ولا اختيار غيره ضمن الشروط ذاتها، في إقناع عامة الناس… ولا في إيجاد الحلول لما يشكون منه.