Site icon IMLebanon

مرحلة إنتقالية بين عهدين أم”لبنانين”؟

 

 

سياسة التعطيل ليست تهمة بل واحدة من ألعاب العمل السياسي في الأنظمة الديموقراطية. ولا هي هدف بل وسيلة لتحقيق هدف. لكن شرطها، كما يحدث في الكونغرس الأميركي مثلاً، هو لعبها بوضوح وإعلان الهدف منها والدفاع عنها. أما في لبنان، فإن أبطال التعطيل، كما في قصة الحكومة على مدى ثلاثة عشر شهراً وتعاقب ثلاثة رؤساء مكلفين، يتنصلون من سياسة التعطيل ويدلّون بالإصبع على سواهم ويضيّعون الناس بالتنقل بين الحسابات الداخلية والحسابات الخارجية وراء التعطيل. وليس أسوأ من التعطيل من أجل هدف غير معلن، وإن كان معروفاً، سوى التعطيل من دون الإلتفات الى معاناة الناس في بلد ينهار لضمان موقع في سفينة غارقة.

 

والكل يقول أنه يريد حكومة، أمس قبل اليوم. لكن السؤال هو: أية حكومة؟ والمسألة هي الفارق بين الحكومة التي يحتاج إليها بلد في قعر الهاوية وبين الحكومة التي تريدها المافيا. لبنان في حاجة الى حكومة تبدأ مسار إنقاذه بمساعدة الأشقاء والأصدقاء. والمافيا تتصارع عائلاتها على حكومة تحاول كل عائلة أن تكون لها الأرجحية في القرار أو السيطرة الكاملة. ومثل هذه الحكومة التي بقي الكلام عليها منذ ثلاثة عشر شهراً حائراً بين أن تتشكل أو لا تتشكل، هي ثقل إضافي فوق أحمال لبنان الثقيلة.

 

والإنطباع السائد أن الحكومة ستكون مرحلة إنتقالية بين “عهدين” في السنة الأخيرة من العهد الحالي. لكن الخطورة، كما توحي أمور عدة، هي أن تكون مرحلة إنتقالية بين “لبنانين”: واحد ضيّع دوره ومبرر وجوده وفقد وظيفته في المنطقة بغباء قيادات فيه ودهاء قيادات فيه من خارجه، وتراكمت عليه الأزمات ولم يعد إنقاذه ممكناً. وآخر حان وقته على ساعة متغيرات جيوسياسية تُعيد هيكلة الشرق الأوسط بقوة أطراف صاعدة قادرة على عقد الصفقات وتبادل الخدمات مع الكبار.

 

وليس سراً أن القوى الطامحة الى إعادة تكوين السلطة، تسخر منها القوى الطامعة بإعادة تكوين لبنان. الأولى تراهن على إنتخابات نيابية ورئاسية في الربيع المقبل تبدل موازين القوى السياسية. والثانية تراهن على ما يتجاوز السعي لعدم إجراء الإنتخابات خوفاً من خسارة الأكثرية الى فرض موازين قوى عسكرية وديموغرافية مترابطة في عدد من بلدان المنطقة بينها لبنان.

 

وزير الخارجية الأميركي سابقاً دين أتشسون إختار لمذكراته عنوان “حاضر عند الخلق”. وهي عبارة مأخوذة من قول الملك الإسباني في القرن الثالث عشر ألفونسو: “لو كنت حاضراً عند الخلق لأعطيت بعض الملاحظات المفيدة من أجل نظام أفضل للكون”. أليس لدى القادة الذين أوصلوا لبنان الى القاع من فائض الغرور وجنون العظمة ما يفوق ألفونسو في إدعاء القدرة على تصحيح نظام الكون، لا فقط نظام بلد؟