IMLebanon

جمهورية الموز ودولة البرتقال

 

 

وأخيـراً… ألَّفوها، فسّروا المـاءَ بعـدَ الجهدِ بالمـاءِ، وفسّروا الحكومة بالحكومة… وُلِـدَتْ أبنةُ الأمـم من أبٍ أميركي وأبٍ فرنسي وأبٍ إيراني، لأنّ الأبَ الشرعي اللبناني هو أبٌ عقيم.

 

هبَـطَ الوحـيُ على العرب، والعربُ الأقدمون كانوا يعتقدون أنّ الوحي يُلَقّـنُ من فـمِ الشياطين إلى ألسنة البشَر، والبشريّ الذي يُلقَّـن من فـمِ جهنَّم لا يستطيع أنْ يتخلّص من ظلّـهِ الشيطاني.

 

ألّفوها.. ولكنْ، مَـنْ هو هذا السندباد البحري الذي بمجّـردِ أن يمسحَ الفانوسَ السحري بكفّيْـهِ ينطلق منه المارد الذي يجعل من الخراب عمراناً، ومن الدمار بنياناً، ومن الدماء ترياقاً، ومن الأرض المحروقة بساتين من البرتقال.

 

مشكلة الحكومة، ولا سيما بعد اغتيال دستور الطائف، أنّها كانت حكومة الوزراء المندوبين لا حكومة الوزراء الحاكمين، فالوزير مفوّضٌ منتدَبٌ من قِبَـلِ مرجعية حزبية أو طائفية طاغية ، يتلقّى الوحي، وما على الرسول إلاّ البلاغ… ولا تستقيم أمـورُ الحكم والحكومة، إلاّ بالرجال، برجالٍ يستطيعون الوقوف بظهْـرٍ لا ينحني على ما يقول المثـلُ الفارسي: «لا يستطيع أحـدٌ أن يصعد على ظهرك إنْ لـمْ تكـنْ منحنياً…».

 

بسبب انعدام الرجال والظهور المنحنية إلى تحت، تولَّدتْ عندنا جمهورية المـوز، وهو مصطلحٌ للكاتب الإنكليزي «أوليفر هنري» يُطلَقُ احتقاراً على الدول الأكثر فساداً بين الأمـم التي يقوم اقتصادها على زراعة المـوز، تحكمها مجموعةٌ ثريَّـةٌ ظالمة، ويكون قائدُها خادماً لمصالح خارجية.

 

ليس مهماً إذاً، أنْ تتغيّـر الحكومة، بـلْ أنْ يتغيّـر النهجُ وأسلوبُ «الأنا»… «أنا» الحكم، و»أنا» الحكومية، «والأنا» الذاتية، وتقاسم الحصص، والتنافس على المكاسب والوظائف، وإلاّ فقد يفقـدُ الحاكم هيبتَـهُ وسلطته فينكفيء إلى بيئتـه الخاصة بشيءٍ من التطرّف ليحافظ على كيانه الشخصي وكيانه السياسي وكيانه المذهبي وكيانه العائلي، فيتعرّض كيان الدولة للإهتزاز، وتنزلق كينونة الشعب إلى الإنهيار.

 

هذه الكوارث التي انصبَّتْ علينا دفعة واحدة ، فكادت تقتلع وجودنا الوطني والإنساني والتاريخي، لا.. ليست بسبب تراكُـمِ أعباء السنين وتراكُم فشل الحاكمين، بقدر ما كانت بسبب تراكم الرهان والإرتهان، وتراكم السياسات الفاشلة، والهوَس الغريزي بالسلطة، والغيبوبة السريرية عن مآسي الشعب: فإذا قتلُ الشعب الآمن مسألةٌ فيها نظـر.

 

مع أنَّ في إطلالةِ هذه الحكومة وجـوهاً جديرةً بالتقدير على الصعيد الشخصي، فلسنا من السذاجة إلى حـدّ، أن ننتظر من فرسان هذا الإكتشاف الحكومي أنْ يشهَروا سيف السلطة على رؤوسٍ فاسدةٍ أينعَتْ وحان قطافُها، جـلّ ما نتوخاه ألاّ يـزوّدوا عرباتِ الموتى بالوقود.

 

وقديماً: عندما أدرك «أرخميدس» نجاح اكتشافهِ مبدأَ الأجسام المغمورة بالماء خـرج من الحمّام عارياً…

 

واليوم: نتمنى لهذه الحكومة التوفيق على أن تبقى علينا ثيابُنـا.