Site icon IMLebanon

الإنتصار الوهمي يُشوّه الثقة والإنطلاقة

 

اللبنانيون على موعد اليوم مع حلقة جديدة من مسلسل «سوق عكاظ» النيابي، الذي يتبارى فيه النواب في فن الإلقاء، وأساليب التدجيل، وفي تجديد صياغة الوعود العرقوبية الإنتخابية، التي غالباً ما تبقى حبراً على ورق.

 

المشهد لا يخلو من إستعراضات بطولية فارغة عن محاربة الصعوبات والعرقلات لتوفير أفضل الخدمات، فيما البلد كله غارق في العتمة، وعلى مسافة قريبة منهم طوابير القهر والذل تتزاحم أمام محطات البنزين، والمازوت أصبح بسعر الذهب عشية إطلالة فصل الشتاء، وبقاء مولدات الإشتراكات صامتة لساعات أكثر عددا من ساعات توفير التيار للمشتركين.

 

تمثيلية إعطاء الثقة للحكومة الجديدة تنتهي ويتم إسدال الستارة عليها مع إنتهاء كلمة الرئيس نبيه بري بإعلان نتائج فرز أصوات المؤيدين للحكومة، وعدد المعارضين لإعطاء الثقة، مروراً بذكر الأوراق البيضاء، على قلتها عادة.

 

بعدها ينام النواب على وعودهم لناخبيهم، ويتركون الحكومات تسرح، والوزراء يمرحون، دون الحد الأدنى من المساءلة والمحاسبة، ودون مناقشة الحكومات في نكوثها لوعود البيان الوزاري الذي نالت على أساسه الثقة، ولكنها دفنته في أدراج الوزارات المختلفة، بعد ساعات من خروج الوزراء من جلسة منح الثقة.

 

المشكلة أذن، لا تكون عادة في نصوص البيان الوزاري، خاصة عندما تكون مكونات الوزارة متوافقة على السياسات العامة، بل في العمل الجدي على تحقيق المضمون والوعود، وإنقاذ البلاد مما تتخبط فيه من إنهيارات وأزمات.

 

من التفاوض مع صندوق النقد الدولي، إلى إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها الدستوري، إلى مغازلة المبادرة الفرنسية ورئيسها ماكرون، إلى الإلتزام بنية الحكومة متابعة «خطة إصلاح القطاع المصرفي»، كلها خطوات أساسية ولا بد منها في محاولة إخراج البلد من هذا النفق المظلم والمدمر.

 

ولكن كيف لهذه الحكومة أن تنشط وتُنجز، والسهام بدأت تُحاصر رئيسها، والتحليلات المغرضة تطوف في مواقع التواصل وتروج إنتصارات وهمية حققها رئيس الجمهورية وفريقه، من خلال «تكريس شراكة رئيس الجمهورية في تأليف الحكومات».

 

وإطلاق مثل هذه الإشاعات عشية إنطلاقة الحكومة دستورياً عقب نيلها الثقة، يُشوه سمعة الحكومة، ويطعن في مصداقية العهد، ولا يوفّر المناخات الإيجابية اللازمة للعمل الجدي والدؤوب المطلوب لوضع الجمهورية على سكة الإصلاح والإنقاذ، وإستعادة ثقة الداخل والخارج بقدرة الدولة اللبنانية على الخروج من المهاوي الراهنة، بمجرد توفير المساعدات الإنعاشية الضرورية للوضع المالي، ووضع خطة إصلاحية شاملة للوضعين المالي والإداري، يتم مع بدء تنفيذها تحويل المساعدات الموعودة للبنان منذ مؤتمر سيدر عام ٢٠١٨ ، وما تلاها بعد إنفجار مرفأ بيروت، والتي تُقدر بحوالي ١٥ مليار دولار على الأقل.

 

والأكثر إستهجاناً أن فريق العهد يتصرف وكأن في تشكيلة الحكومة منتصر، هو رئيس الجمهورية، ومنكسر هو رئيس الحكومة وحلفاؤه السياسيون، وفي مقدمتهم رئيس مجلس النواب، مما يعني بوضوح أن نجاح هذه الحكومة ليس له الأولوية اللازمة في خططهم، بقدر ما يهمهم متابعة سياسة الخداع لجمهورهم السياسي، تحت يافطة شعبوية مستهلكة، تُسمى: الدفاع عن حقوق المسيحيين!

 

ولم يعد خافياً أن التمسك بسياسات المعاندة، وخوض المعارك الدونكيشوتية بحجة إسترجاع صلاحيات رئيس الجمهورية، أو حماية الدور المسيحي، إلى آخر الحكايات المعروفة، كان وراء تعطيل محاولات تشكيل حكومة إصلاحية وإنقاذية منذ أكثر من سنة، منذ إنفجار الرابع من آب المريع وحتى تاريخ تشكيل هذه الحكومة، بعد «تطفيش» رئيسين مكلفين من دائرة التكليف ودفعهم للإعتذار، رغم خطورة المرحلة الإحتضارية التي هيمنت على البلد، وتناسلت معها مجموعة من الأزمات ضربت القطاعات المنتجة في البلد، وأدت إلى إنهيار الليرة، وحصل الزلزال الإجتماعي الخطير بسقوط أكثر من نصف الشعب اللبناني تحت خط الفقر.

 

وبكلام آخر، كان من الممكن وقف الإنهيارات المتتالية في مرحلة الفراغ الحكومي، وبالتالي الحد من تدني قيمة العملة الوطنية، ولجم جنون الأسعار، وتجنب حصول هذه الأزمات غير المسبوقة في تاريخ البلد، وفي مقدمتها أزمتي الكهرباء والمحروقات، وحماية الأمن الإجتماعي للأكثرية الساحقة من اللبنانيين، لو تم تسهيل تشكيل الحكومة غداة إستقالة دياب بسبب إنفجار المرفأ.

 

تُرى أيهما أهم في لغة المنطق الوطني، وشجاعة الحكام في إتخاذ القرار: إنقاذ البلاد والعباد من السقوط إلى جهنم ومعاناة بئس المصير،.. أم خوض المعارك المدمرة بحجة الدفاع عن صلاحيات وحقوق كفلها الدستور، وتحميها القوانين والأنظمة المرعية الإجراء في «جمهورية الطائف»؟