Site icon IMLebanon

الحكومات… وشعْوذَةُ البيانات

 

 

«إذا أراد اللـهُ للأمرِ خيراً جعلَ لـه وزيرَ صِـدْق». (النبـيّ: «رواهُ أبو داود»)

… وكانت الحكومة، فماذا عن البيان…؟

تولـدُ عندنا الحكومات، وتموت البيانات…

إذا كان الحكمُ على هذه الحكومة ينحصر في بيانها الوزاري، فالبيانُ بقدر ما فيه من بيـانٍ وحجّـةٍ وتبيين يستأهل التصفيق وقوفاً.

ولـوْ قُـدِّر لهذه الحكومة أنْ تحقّـق ما جاءَ في بيانها، فقد يُصبح لبنان حقاً أفضل مما كان عليه قبل ولايةِ هذا العهد.

البيان الوزاري هو البرنامج الذي تلتزمُـه الحكومة، وعلى أساسه تنال ثقـة المجلس النيابي.

ولكنّ الحكومات عندنا تنال الثقـة بمجّرد تأليفها، لأنّها حكوماتٌ نيابية لا حكومية، وهي أشبه بالمجلس النيابي المصغّر، فلا تتعّرض للمحاسبة والمساءلة، لأنّ المجلس سيد نفسه، والمجلس السيّد لا يحاسب نفسه.

والحكومة في هذه الحال تمتزج بها السلطات الثلاث: السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية: ثلاثة أقانيم في إلـه واحد… والسلام على الديمقراطية، وألف رحمة على روح الفيلسوف الفرنسي «مونتسكيو» صاحب مبدأ فصل السلطات و«روح الشرائع»، وصاحب الفضل الأكبر على الدستور الفرنسي.

الحكمُ على الحكومة من خلال البيان، حديثُ خرافةٍ لا نزال نقـع في خداعـهِ منذ الإستقلال حتى اليوم.

البيان الوزاري لحكومة الإستقلال الأولى برئاسة رياض الصلح، تضمّن التأكيد على: «إلغاء الطائفية ووضع قانون عصري للإنتخابات النيابية».

وعلى مدى ثمانيةٍ وسبعين عاماً وسبعٍ وسبعين حكومةً، ما زلنا نكـرّر الأسطورة نفسها، وانتهى بنا الأمر إلى العصر الجاهلي وتشويه كلّ ما هو عصري في الإنتخابات النيابية والعمل السياسي والعلْم السياسي والعلمانية السياسية لمصلحة الطائفية المتمذهبة.

وفي الزمن العصري، وبعد أشهر من حكومة حسّان دياب، أطـلّ علينا رئيسها معلناً أنّ «95» في المئة من بنـود بيانه الوزاري قد تحقَّقتْ، فيما هذه البنود راحت تتأرجح في الفراغ حتى استقالة حكومته.

وما يجري على بيانات الحكومات ينطبق أيضاً على خُطبةِ القسَمْ الرئاسية التي لا يكاد بعضهم يُحسن قراءتها فكيف يحسن تنفيذها.

آخر ما يواجهنا خطاب القسم للرئيس ميشال عـون ، فتعالوا نقارن بين ما جاء فيه، وما نحنُ فيه، واحكموا على الحكم والحكومات والرئاسات والبيانات.

بعد تأليف الحكومة، سمعنا كلاماً أشبه بالعبوات الناسفة لبيانها، قالوا: «ما كان يجب أنْ نأخذه أخذناه» أيْ أنّ الحكومة محكومة بسيف الثلث المعطّل، بـدل أن يكون الرهان على الأثلاث الثلاثة لتعطيل التعطيل، وبـدل أن يكون الشعار: ما كان يجب أن نعطيه أعطيناه..

إذا اصطدمتْ هذه الحكومة بالقدرة الخارقة التي تعرقل بيانها، وإذا كانت عاجزةً عن مواجهة حرب الخارج على الداخل ، فإنَّ في مقدورها – لو شاءت – أن تشنّ حربـاً على عـدوٍّ مشترك تقـف معها ضـدّه كلُّ قـوى الداخل، على ما يقول «منشيس» أحد فلاسفة الصين النابهين: «الحاكم الصالح قبل أنْ يحارب البلاد الخارجية، عليه أنْ يشنّ حربـاً على العدوّ المشترك الذي هو الفقر، لأنّ الفقر هو منشأ الجرائم واضطراب النظام…».

تستطيع هذه الحكومة – لو شاءت – أن تحقّـق إنجازاً مميزاً في مسيرة الحكومات، بأن تكون المثل الصالح بالتجرّد والنزاهة والصدق والعفّة والإستقامة الأخلاقية.
بهذا، يكون البيان الوزاري منتصراً على ما تعذّر تنفيذه…

وبهذا تنتصر الحكومة بثقـة الشعب على ثقـة المجلس النيابي المشبوهة.

وبهذا، يقول «كونفوشيوس»: «إذا لم يكن للناس ثقة بحكامهم فلا بقاء للدولة، لأن المبدأ الأول في الحكم هو الأخلاق والقدوة الصالحة والمثل الأعلى في السلوك الحسَن».

ومع الحكيم «كونفوشيوس» نتمنى لهذه الحكومة التوفيـق في الحكم الحكيم.