أصبح إنتخاب نبيه بري رئيساً وإلياس بوصعب نائباً للرئيس في جلسة الغد الثلاثاء أمراً مرجحاً، بحكم الصفقة التي رعاها حزب الله بين حركة أمل والتيار الوطني، والتي ساهم في إنجازها تشرذم أطراف المعارضة السيادية ونواب التغيير، وإنعدام المحاولات الجدّية لتقريب وجهات النظر، والتوصل إلى مواقف مشتركة من الإستحقاقات الأساسية والمواقف المفصلية.
وإذا كان الإستحقاق البرلماني قد يمرّ بأقل قدر من الخسائر والإرباكات في الوضع السياسي المستجد بعد الإنتخابات النيابية، فإن الإستحقاق الحكومي يبدو أكثر تعقيداً، وأشد إرباكاً على الأوضاع الإقتصادية والمالية المتدهورة أصلاً، وقد يؤدي إلى مزيد من الإنهيارات القاسية، في حال تأخرت ولادة الحكومة العتيدة.
من المحزن القول أن ليس ثمة ما يُشير إلى إمكانية تأليف الحكومة الجديدة بالسرعة اللازمة، والتي تتطلبها الأزمات المتفاقمة التي تُمسك بخناق البلاد والعباد، لأن الخلافات السياسية والمصلحية مازالت على أشدّها، حتى بين الحلفاء، والخريطة البرلمانية التي رسمتها نتائج الإنتخابات مؤلفة من كتل نيابية صغيرة، ومبعثرة المنطلقات والأهداف، وحزب الله وحلفاؤه في محور الممانعة خسروا الأكثرية النيابية، وبالتالي لا بد من اللجوء إلى صيغة «إئتلافية ما»، لتأليف حكومة تستطيع نيل الثقة بأكثرية الحد الأدنى على الأقل، حتى تتمكن من تأمين طريق سالكة وآمنة، على هامش الصعوبات المتزايدة التي تحيط بما تبقَّى من ولاية أسوأ عهود الإستقلال.
فريق من أهل السلطة، وفي مقدمته الثنائي الشيعي، يعتبر أن إعادة تعويم حكومة ميقاتي مع تعديلات طفيفة، هو أهون الشرور في ظل التناقضات التي تحكم الوضع السياسي، وبهدف تجنب الوقوع في مصيدة الفراغ في السلطة التنفيذية، خاصة وأن لا ضمانات لحصول الإنتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري.
طبعاً مثل هذا الطرح يؤمن للحزب وحلفائه إستمرار الهيمنة على مواقع القرار الحكومي، ويُعطل إلى حد بعيد نتائج الإنتخابات النيابية.
فريق سلطوي آخر، مثل التيار الوطني الحر، يتحفَّظ على عودة سهلة لميقاتي إلى السراي، لأن رئيس التيار يسعى لحكومة سياسية لا تكنوقراطية، يكون هو شخصياً عضواً فيها، بحجة أن هذه الحكومة قد تتولى صلاحيات رئيس الجمهورية في حال حصول الفراغ المتوقع في الرئاسة الأولى بعد إنتهاء ولاية العماد عون، وذلك على غرار ما حصل مع حكومة الرئيس تمام سلام إثر إنتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان.
ولكن التجارب المريرة في تشكيل الحكومات السياسية، والتي تستغرق عادة بضعة أشهر، لا تشجع على الخوض في تجربة مماثلة في الأشهر الخمسة الأخيرة من عمر العهد. مع الأخذ بعين الإعتبار المهمات الملحَّة التي تنتظر الحكومة العتيدة، وفي مقدمتها المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وإستكمال تلزيم ملف الكهرباء الذي تم سحبه فجأة في الجلسة الأخيرة للحكومة المستقيلة.
وفي ظل هذه الحالة من التباعد والتناقض بين أهل السلطة، وتجنباً لبقاء الوضع المنهار في البلد في مهب حكومة «تصريف الأعمال»، لا تستطيع التفاوض مع الدول المانحة والمؤسسات المالية، وغير قادرة على إتخاذ القرارات اللازمة لإطلاق ورشة الإصلاح والإنقاذ، ثمة فكرة ما زالت قيد التداول في دوائر داخلية وخارجية ضيّقة، تقضي بتشكيل حكومة مختلطة من عسكريين، مثل قادة الأجهزة الأمنية، ومدنيين تكنوقراط من أصحاب الخبرة والإختصاص، تتولى السلطة في الفترة الإنتقالية الفاصلة بين عهدين، وتمارس الصلاحيات الرئاسية في حال حصول فراغ في الرئاسة الأولى، وتتعاون مع المجلس النيابي الجديد في إقرار الخطوات الإصلاحية المطلوبة من الدول المانحة، والتي تعثرت حكومتا دياب وميقاتي في إنجازها، وفشلتا في فتح أبواب المساعدات الخارجية.
ويستند أصحاب هذه الفكرة على إستمرار إنعدام الثقة الخارجية بالمنظومة السياسية التي تتولى السلطة وأوصلت البلد إلى هذا الإنهيار المريع، وعدم قدرة نواب التغيير في إحداث فارق كبير في أداء السلطة التنفيذية، نظراً لقلة عددهم، وعدم قيام جبهة معارضة برلمانية عريضة تحقق التوازن مع محور حزب الله وحلفائه.
واقع الضياع للسلطة المتهالكة، وتفاقم الإنهيار في مختلف القطاعات الحياتية والحيوية، يقتضيان العمل على ولادة سريعة للحكومة العتيدة، أما بقاء حكومة تصريف الأعمال في هذه الفترة الحرجة فسيعود بشتى التداعيات المدمرة على البلاد والعباد.. إلا في حال نجاح فكرة حكومة العسكر والتكنوقراط من تجاوز المطبات السياسية والأنانية .. وما أكثرها!