Site icon IMLebanon

دولة مهترئة على جميع الأصعدة بانتظار رئيس جديد وحكومة جديدة… ومعجزة 2/ 1 

 

 

 

 

بعد انتهاء الحرب الأهلية أو حرب الآخرين على أرضنا بحوالى 35 عاما، لم تستطع الطبقة السياسية المتعاقبة بناء دولة حقيقية وعصرية كما دول العالم الأول أو حتى الثاني.  صحيح أنه كان هنالك وصاية سورية بين العام 1990 والعام 2005 ، لكن هذه الوصاية كانت برضى لا بل بإرادة الولايات المتحدة الأميركية والمملكة السعودية .

 

كما كان هنالك أيضآ احتلال للعدو الإسرائيلي لجزء كبير من جنوب لبنان دحرته المقاومة الإسلامية بعملياتها البطولية عام 2000 . لكن منذ انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005 بطلب أميركي -فرنسي مشترك، تسلم زعماؤنا زمام إدارة الدولة، وهنا كانت الكارثة الكبرى . فمنذ هذا العام و حتى يومنا هذا، يمر لبنان بأزمات لامتناهية سياسية ودستورية وعسكرية وأمنية وطائفية واقتصادية مالية معيشية …

 

كم نحن نحتاج في لبنان إلى أمثال الرئيس” لي كوان يو”، الذي حول مستنقع سنغافورا إلى أجمل وأحدث دولة في العالم، في فترة لا تتعدى ال 20 عاما ومات فقيرآ، لكنه كسب كنزا لا يفنى، فهو دخل التاريخ من بابه العريض . كما نحتاج إلى رجال عظماء مثل  “الشيخ محمد بن راشد ال مكتوم ” الذي حول صحراء دبي إلى مدينة دبي الحالية، وهي الأجمل والأكثر تطورآ في الشرق الأوسط .

 

بعد سنتين ونيف من الفراغ الرئاسي في لبنان، وفي ظل حكومة تصريف أعمال عمرها أكثر من ثلاث سنوات ، لم تنل ثقة المجلس النيابي الجديد المنتخب عام 2022 ، وتعتدي مرارآ على الدستور وعلى صلاحيات رئيس الجمهورية المغيب ، بفعل الانقسامات السياسية، بات في الأفق نور بانتخاب رئيس جمهورية جديد، نأمل أن يكون إصلاحيا وتوافقيا في تاريخ 9 كانون الثاني المقبل، مع ما يعني ذلك من تشكيل حكومة جديدة شبابية وإصلاحية في الدرجة الأولى، وزراؤها نزيهون اختصاصيون وحياديون فعلآ عن الأحزاب . كما نأمل أن تشكل الحكومة في أسرع وقت ممكن، لأن لبنان منكوب على جميع الأصعدة، ويحتاج إلى الدخول إلى غرفة العناية الفائقة اقتصاديآ وماليآ .

 

لا شك أن على الرئيس الجديد وعلى الحكومة الجديدة أولآ الالتزام الكامل باتفاق الطائف وبالقرارات الدولية، وبالتأكيد عبر الجيش اللبناني مع زيادة عديد الجيش وتسليحه بالاسلحة اللازمة. كما وحق لبنان في الدفاع عن نفسه بأي طريقة ممكنة، عند أي اعتداء عسكري أم أمني من العدو الإسرائيلي على أراض لبنانية .

 

كما على الرئيس الجديد وعلى الحكومة والمجلس النيابي بناء قضاء وقضاة مستقلين سياسيآ،  شرفاء يحكمون بالحق وفقط بالحق، لأن لا حرية ولا ثقة  ولا استثمارات  ولا اقتصاد  ولا أمن دون قضاء مستقل ونزيه ومكتف ماديآ، ونحن الشعب اللبناني نتنفس حرية منذ أكثر من 2000 سنة  .

 

أما من ناحية الموازنة  فهنالك مشكلة كبيرة جدآ، وهي أن حوالى 70% من مدخول الدولة في الموازنة يذهب إلى دفع رواتب القطاع العام  وإلى خدمة الدين العام، أي يبقى فقط 30% من مدخول الدولة كنفقات استثمارية  تفيد الشعب اللبناني،  وهذه حالة شاذة جدآ في المالية العامة و في علم الاقتصاد  .

 

هنالك أيضآ مشكلة لا تقل أهمية ، وهي الوضع الاقتصادي والمالي والمعيشي للشعب اللبناني، بخاصة بعد آخر عدوان “إسرائيلي” على لبنان، والذي كلفنا الكثير . فقبل “ثورة 2019 ” كان الناتج الإجمالي المحلي اللبناني يبلغ حوالى 53 مليار دولار سنويآ . ثم بعد الأزمة الاقتصادية والمالية بلغ حوالى 24 مليار دولار عام 2022 أي النصف ، في حين أنه بلغ في العام أي نفسه 2022 في الأردن 58 مليار دولار و في دبي 120 مليار دولار عام 2022 . والآن وبحسب الخبراء وبعد الاعتداء الهمجي” الإسرائيلي” على لبنان لمدة  66  يوما،  سيبلغ الناتج أقل من 14 مليار دولار عام 2024 ، أما الخسائر المباشرة من العدوان فيقدرها  الخبراء بحوالى 12 مليار دولار دون كلفة دمار البنى التحتية. أما الخسائر غير المباشرة أي على الدورة الاقتصادية  كحركة الصناعة والتجارة والسياحة والزراعة… فتقدر بحوالى 7.5 مليار دولار .

 

ليتعافى اقتصاد لبنان فهو بحاجة أولآ إلى إجراء إصلاحات حقيقية وجدية وبنيوية  في السياسة، ووقف المناكفات بين الأخصام،  كما وإصلاحات بنيوية  في الاقتصاد وفي السياسات المالية،  ومكافحة الفساد جديآ على جميع المستويات، فلا يجب أن نقبل بعد الآن  مقولة ” الضعيف وحده يذهب إلى القضاء “.

 

ويجب أن تتحول الدولة من رئيس جمهورية ومجلس وزراء ومجلس نواب إلى خلية نحل لبت كل القوانين الإصلاحية في جميع المجالات ، خاصة وضع خطة توجيهية لإعادة الإعمار، ولمعالجة حالة البنى التحتية المترهلة .

 

كما وحسب خبير مالي يجب إعادة هيكلة المصارف بشفافية كاملة بأسرع وقت ممكن، لأن القطاع المصرفي هو العمود الفقري لأي اقتصاد حر في العالم، و من ثم السعي لإنشاء صندوق دولي لإعادة  إعمار ما هدم من منازل ومبان وبنى تحتية في لبنان، كما  وإنشاء صندوق ثان لضمان، وتطوير الدورة الاقتصادية في هذه المرحلة الصعبة جدآ،  و هنا نتكلم على أربعة فروع رئيسية  وهي: الصناعة والتجارة والسياحة والزراعة، التي قدرت خسارة الفروع الأربعة الأساسية بحوالى 7.5 مليار دولار.

 

كما على المصارف زيادة رأس مالها إذا أرادت الاستمرار في العمل في السوق اللبناني، علمآ أن نسبة القطاع المصرفي اللبناني في الناتج الإجمالي المحلي اللبناني هي بحدود 12% وهذه نسبة كبيرة جدآ .  من المفضل  أيضآ على النمو الاقتصادي السنوي أن يصل خلال 3 سنوات إلى 5% سنويآ على الأقل، إذا أردنا استعادة عافية اقتصاد 2018.  والأخطر من ذلك هو أن النمو الاقتصادي لهذه السنة سيكون سلبيآ أي حوالى -2% ، وتوقع البنك الدولي منذ ثلاثة أيام  أن يصل الانكماش في النمو في لبنان خلال الستة أشهر المقبلة إلى  -6% ، إذا لم تتحرك الدول المانحة سريعآ في دعم الدورة الاقتصادية  بأقله 6 مليار دولار، فيما في الأردن سيكون النمو هذه السنة +3.5% و في دبي +6.4% .

 

إضافة إلى هذه المشكلة أتتنا مشكلة لا تقل أهمية، وهي إدراج لبنان على اللائحة الرمادية في منظمة   “فاتف ” ، بسبب اقتصاد الكاش والتخوف من تمويل الإرهاب وتبييض الأموال . إدراج لبنان على اللائحة الرمادية يعني ببساطة أن كل عملية مالية سنجريها عبر مصرف، يجب أن يدقق المصرف فيها بجدية وبإثباتات كثيرة وأكيدة، مثلآ من أين أتى المال ولماذا ؟ كذلك الأمر عند التحويل إلى الخارج .

 

وهذه العمليات الدقيقة تتطلب الكثير من المستندات المصدقة رسميآ ، كما وكثير من الوقت . كيف لنا  الخروج من هذه الأزمة ؟  يقول خبير اقتصادي وأستاذ جامعي إن أولآ علينا أن نقيم الخسائر المباشرة وغير المباشرة بدقة عبر مؤسسة مالية اقتصادية عالمية مستقلة. ( يتبع)