Site icon IMLebanon

الوصاية الجديدة

تكاد تكون المرّة الأولى منذ بدء الفراغ الرئاسي التي يتخذ فيها الحراك الداخلي طابعاً بالغ الجدّية، بمعزل عن النتيجة التي سيصل إليها ومَنْ يوصل إلى بعبدا، فالرئيس سعد الحريري قال كلمته في دعم ترشيح العماد ميشال عون ومشى في خياره بصرف النظر عن صوابية هذا الخيار أو عدمه، وهل جاء في وقته بعد أن هُيِّئت له كل الأجواء والظروف والمعطيات الكاملة، أم جاء في غير وقته وزمانه وسيتحوّل عاجلاً أم آجلاً عبئاً كبيراً على صاحبه، إن على المستوى الداخلي أي ضمن كتلته النيابية التي أربكها قراره، أو على مستوى قاعدته الشعبية التي لا يروقها هذا الخيار، وستأتي المناسبة عاجلاً أم آجلاً لتُحاسب من تخلّى عن المبادئ والثوابت لمصالح قد تكون ذاتية أكثر منها وطنية.

إن دعم الحريري ترشيح عون على أهميته ليس بالضرورة ضمانة لإنتخابه، وهنا بيت القصيد، خصوصاً إذا ما بقي لاعبون سياسيون خارج بوتقة التفاهمات كما تبدَّى من خلال تصريحات رئيس مجلس النواب نبيه برّي ومستشاره السياسي الوزير علي حسن خليل، ومن خلال تغريدات رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط والتي عبّر عنها بشكل ساخر برفضه أن يتم التعامل معه ومع نواب كتلته كقطيع من الغنم مع كل محبته ورأفته على الحيوانات.

فالحريري وعون أبرما اتفاقاً ثنائياً على تقاسم السلطة في ما بينهما، فالأول رئيس جمهورية والثاني رئيساً للحكومة طيلة ست سنوات، وهذا الاتفاق تمّ من خارج طاولة الحوار الوطني وبمعزل عن القوى السياسية الأخرى المؤثّرة، ما أغاظ الرئيس برّي والنائب جنبلاط ومعهما حزب الله الذي يدعم ترشيح عون أو يتبنّى إيصاله بالتعيين إلى قصر بعبدا، إلى قوى سياسية أخرى في الثامن والرابع عشر من آذار، الأمر الذي دفع بهذه القوى مجتمعة للسبب عينه ولأسباب أخرى لكل منها إلى الردّ برفض هذا الاتفاق واستخدام كل الوسائل المتاحة لإسقاطه قبل أن يصل إلى نهايته السعيدة كما يريدها الفريقان وإن من منطلقات مختلفة، فالرئيس برّي رفع شعار رفض الثنائية السنية – المارونية والنائب جنبلاط الذي تربطه أكثر من علاقة مع الرئيس الحريري رفع شعار رفض الوصاية، وآخرون ومن بينهم نواب في كتلة تيّار المستقبل رفعوا شعار رفض التخلّي عن المبادئ وعن بيع دم الشهداء وفي مقدمتهم الشهيد الأول الرئيس رفيق الحريري لكي تحلّ الوصاية الإيرانية محل الوصاية السورية المتّهمة بتصفية الشهيد الأول وباقي شهداء 14 آذار، وكانوا صريحين وشجعان في إبلاغ هذا الرفض إلى من يعنيهم الأمر مباشرة وليس بالواسطة، وكل هذه التراكمات تعني أمراً واحداً، وهو أن تبنّي الرئيس الحريري ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية ما زالت دونه عقبات كثيرة، وأنه لن يمر بالسهولة التي يتوقعها التيار الوطني الحر وداعموه بمن فيهم حزب الله الذي كما يبدو من خلال الكثير من التسريبات يقف في الوسط بين دعمه وصول عون إلى بعبدا وبين وقوفه إلى جانب حليفه الرئيس نبيه برّي وعدم استعداده للتخلّي عن هذا التحالف مهما بلغت حماسته لرئيس تكتل التغيير والإصلاح، وهو ما بدأ يتبدّى من خلال ميل الحزب إلى تأجيل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية المقررة في 31 الجاري إلى موعد آخر وتحديداً إلى السابع عشر من شهر تشرين الثاني المقبل بهدف إعادة خلط الأوراق الداخلية مجدداً، أو لبلورة التوجهات الإيرانية النهائية والتي تنتظر إلى ما بعد الانتخابات الأميركية وتبلور مسار علاقة إيران مع الرئيس الجديد.

إن الإستدارة الحريرية في اتجاه العماد عون دونها عقبات لا يمكن تجاوزها بسهولة، فحقل ألغام التفاهمات واسع وشاق، وعليه يُخشى أن يكون رئيس التيار الأزرق الخاسر الأكبر في هذا السياق.