وقف الرئيس امين الجميل، امام منصة مؤتمر حزب الكتائب اللبنانية في فندق الرويال – الضبيه، وقفة قائد، يترجل عن مقعد رئاسة الجمهورية، قبل أكثر من ربع قرن. وعندما صعد مسؤول بارز الى المنصة، وأعلن اكتمال نصاب الحضور، دوى في القاعة تصفيق حاد. ثم تسلم المذياع رئيس المؤتمر، وراح يلقي كلمته.
كان الشيخ امين الجميل يتكلم بارتياح سببه مبادرتان: الاولى تشير الى الحضور في الصف الأول، وفي مقدمتهم ممثلون لرئيسي المجلس والحكومة وللرئيس السابق سعد الحريري. والثانية عراضة سياسية للحلفاء الجدد والقدامى.
طبعاً، حرص الشيخ أمين على التنويه بالحلفاء الجدد، وفي مقدمتهم النائب والوزير السابق أحمد فتفت.
لكنه حرص أيضاً على الاشارة الى التطورات الجديدة في المنطقة، وعلى التحذير مما يطفو على أديم الساحة السياسية من مماحكات جماعات التكفير والتطرف، ولا سيما ما اقترفته النصرة من مجازر بحق أبناء طائفة الموحدين الدروز، الأمر الذي جعل الأميرة حياة ارسلان، ترد التحية بسرعة الى رئيس الكتائب.
والرئيس الجميل تسلل بكلامه الي القلوب والى النفوس، والأميرة حياة كانت الطيْف الجوّاد سابقاً ودائماً بالمحبة والمودة، والراعية لمنابر الوفاء. أمين الجميل صدح بصوت الالفة، والأميرة حياة رعت صوتاً ينعم بوحدة الوطن، وهي غنية عن التعريف في هذا المضمار.
***
هل كانت البلاد أمام كتائب جديدة تولد وسط حشود كثيفة، ام انها كتائب الرئيس المؤسس والرئيس الشهيد بيار الجميل، أم كتائب رجل الكتائب الجديد النائب سامي الجميل؟
كان حزب الكتائب حزب العائلة، كما يحلو لبعض المراقبين أن يقولوا. لكنه، بعد اربع سنوات من آخر مؤتمر حزبي، بدا وكأنه نمط جديد وأسلوب حديث في النبرة السياسية والحزبية.
ذلك، ان الشيخ امين الجميل أخذ ينوه ويشيد بطعون حزبية تقدّم بها الرفاق، في ترشيح الشيخ سامي الجميل الى الرئاسة، وهذه ظاهرة فريدة، تؤكد ما كان يزعمه الكتائبيون القدامى، بأن حزبهم هو حزب ديمقراطي اجتماعي.
والديمقراطية بدت أمس، واقعاً جديداً لحزب، يريد أن يخلع عنه الثياب القديمة، والمترهلة، ويرتدي ديمقراطية حيّة، منعشة وجديدة.
كان، وسط هذه التطورات عريس الحزب يطوف بخفر وحياء، قبل ان ينتخبه الكتائبيون بعد ٤٨ ساعة، رئيساً جديدا لحزب عمره سبعون عاماً.
وسامي الجميّل بدا، أمس، بين التوريث بالانتخاب، والتعيين بقرار فوقي، رجل الحزب وعنوان التحديث.
والشاب زرع في الحزب العريق، نفحات حديثة في العلائق بين الناس، وفي الحياة النيابية والسياسية.
والكتائب في نظره ثروة سياسية زرعها جدّه، وحافظ عليها والده، ورعاها شقيقه الشهيد بيار، وهي ثورة على تقاليد بالية، وتجديد في الذهنية، وإجلاء للرتابة وليس استجداء لحزبية تقليدية.
ولا أحد يجهل ما فعلته الوصاية السورية لتقليص الكتائب قيادة سياسية ووجوداً حزبياً، في حقبة امتدّت أكثر من عشرين سنة من العام ١٩٨٢ الى العام ٢٠٠٣.
طبعاً، كانت الكتائب الحزب السياسي الأكبر والأقوى على الساحة اللبنانية في حقبة الستينات، معطوفة على السبعينات، لكنها ترهلت حيناً، وأصابها الضمور ثانية، ولعل رهان الشيخ سامي الجميّل الآن، أن يضفي عليها نفحات التجديد والتوسيع.
ولعل نشوء التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية، هو التحدي الجديد أمام حزب جديد.
والحياة الحزبية صعبة، بعد المناخات الأخيرة، لكن هذا هو ما هو منتظر من الشيخ سامي، انطلاقاً من غدٍ الأحد…