IMLebanon

«الآلية الجديدة»: الإجماع.. أو الثلثان زائداً واحداً

يحارب تمام سلام في هذه الأيام، طواحين صلاحيات رئاسة الجمهورية، على طريقة «دون كيشوت». يلوّح بسيف الاعتكاف والامتعاض يمنة ويسرة بوجه خصم خفيّ. ليس هناك من رئيس يزاركه على الفاصلة والنقطة، مع أنّ «الطائف» عرّاه أصلاً من هذا الترف الدستوري، والقصر في بعبدا خالٍ إلا من غبار الشغور، وليس هناك من موقع ينافسه على الهيبة.. ومع ذلك يتأفف «البيك» من «شبح» الصلاحيات.

وفقاً لهذه المعادلة الذهبية التي حوّلت كل الجالسين إلى المائدة السلامية، «وزراء ملوك»، لن ترى بطرس حرب أو ميشال فرعون على سبيل المثال، يحنون رؤوسهم نزولاً لتعديل ما قد يطرأ على الآلية المعتمدة لاتخاذ القرار في مجلس الوزراء، مهما اشتكى تمام سلام وضرب يديه على رأسه اعتراضاً على أداء وزرائه. فوزراء «الفراطة» قد يذوبون في الوعاء مهما كان شكل التعديل المقترح.

حين قرر الرجل السير بتسوية الآلية التي حولت وزراءه الـ24 إلى رؤساء جمهورية، بمقدرر أي منهم، سواء كان محمياً بتكتل نيابي ذي عضلات تعطيلية، أو كان «يتيماً» لا يمثّل سوى الأصوات التي أتت به إلى ساحة النجمة، أن يكون «حاكماً بأمره» فيعطل ما يشاء ويسيّر ما يشاء… لم يخطر بباله أنّ حكومته ستكتفي مع الوقت بتصريف الأعمال لا أكثر.

قبل نحو عام، وتحديداً مع رؤية حكومة التعايش الاختياري النور، كان مقدّراً لها أن تجترح المعجزات، كونها ملقحة بمضادات التعطيل وبمقويات التوافق بين الأضداد الذي يتيح لها أن تفعل ما عجزت سابقاتها عن فعله.

افتراضياً، لا حواجز تذكر أمامها، ويمكن لدربها أن تكون مفروشة بالورود. هكذا ظن البعض. لكن الواقع فرض عليها حسابات أخرى، وزرع الكثير من الألغام التي حصرت مهامها ببعض القرارات الصغيرة، وحالت دون وضع المشاريع الكبرى على طاولة البحث الجدي.

يكفي استعادة شريط ملف «سوكلين» كي تخرج الشرارة من عيني رئيس الحكومة. فلولا التهديد بأن تتحول الشوارع اللبنانية إلى مكبات عامة للنفايات لأنها لن تجد من يجمعها، لما كان بالإمكان التوصل إلى تفاهم بين مكوّنات السلطة التنفيذية. مع العلم أن هناك من يؤكد أنّ الاتفاق حصل في اللحظات الأخيرة تحت الضغط وليس عن قناعة.

إذ بعدما تحولت طاولة مجلس الوزراء إلى مائدة تصفية حسابات مناطقية، لم يعد بإمكان رئيس الحكومة أن يكبر حجر طموحاته ليطرح مسائل على قدر عال من الحساسية، لإدراكه المسبق أنّ هذه الملفات قد تحتاج إلى سنوات وسنوات من النقاش لإنقاذها من براثن الفيتوات المضادة، قبل أن ترى النور.

هكذا يمضي مجلس الوزراء معظم وقته في مناكفات جانبية حول قرارات صغيرة، بسبب رفض بعض الوزراء التوقيع على مراسيم إصدارها، ليس من باب السعي لتصحيح هذه القرارات، ولكن نكاية بوزراء آخرين.

هنا، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ كل قرار يصدر عن مجلس الوزراء يشهد مرحلتين من التجاذب: المرحلة الأولى المتصلة باتخاذ القرار وتحكمها المادة 65 من الدستور التي تنصّ على «… اتخاذ القرارات توافقياً. فإذا تعذر ذلك فبالتصويت، ويتخذ قراراته بأكثرية الحضور. أما المواضيع الأساسية فإنها تحتاج إلى موافقة ثلثي عدد أعضاء الحكومة المحدد في مرسوم تشكيلها.

أما المرحلة الثانية فهي تتصل بإصدار المراسيم وفقاً للمادة 56، وهو العمل القانوني الذي يقوم به رئيس الدولة للتحقق رسمياً من وجود قاعدة قانونية ووضعها قيد التنفيذ، وهي تنصّ على أنّ رئيس الجمهورية «يصدر المراسيم ويطلب نشرها، وله حق الطلب الى مجلس الوزراء إعادة النظر في أي قرار من القرارات التي يتخذها المجلس خلال خمسة عشر يوما من تاريخ إيداعه رئاسة الجمهورية. واذا أصر مجلس الوزراء على القرار المتخذ أو انقضت المهلة دون إصدار المرسوم أو إعادته يعتبر القرار أو المرسوم نافذا حكما ووجب نشره».

وفي مسألة الإصدار، راح بعض الوزراء يستخدمون «السيف» الممنوح لهم بفعل الشغور لتعطيل صدور مراسيم عادية لا تحتاج عادة إلى مجلس الوزراء، وإنما فقط إلى تواقيع الوزير المختص ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية.

ليس هذا التشاطر من جانب بعض الوزراء، هو وحده الذي دفع بتمام سلام إلى ضرب يده على الطاولة للانقضاض على الآلية القائمة، وإنما ثمة فريق آخر يشكو من عرقلة التفاهمات السياسية التي تمرر المشاريع الكبرى.

وفق بعض المعنيين، فإنّ «تيار المستقبل»، وتحديداً الرئيس فؤاد السنيورة، هو أكثر من يرمي أثقاله على كتفَي رئيس الحكومة من خلال الضغط عليه للانقلاب على الآلية المعمول بها والتخفيف من عِقدها، بالتوازي مع «قبة باط» من جانب رئيس المجلس نبيه بري الذي لا يمانع، لا بل يشجع على التخفيف من الحمولة الزائدة.

ولا يكتمل عقد «الثلاثي العتيق» إلا بانضمام وليد جنبلاط إلى جنّته. فالرجل أيضاً من محبذي هذا الطرح، وذلك من باب فتح الكوات في عمل مجلس الوزراء ليكون أكثر فعالية. إذ من المعروف أنّ هذه «السيبة الثلاثية» خبيرة في تركيب التفاهمات السياسية للتسويات الحكومية الكبيرة حول ملفات حيوية تزن ملايين الدولارات، حيث عرقلت الآلية القائمة هذا المسار وحالت دون نزولها من جدول الأعمال إلى الطاولة.

هكذا قرر تمام سلام ابتكار صيغة جديدة أكثر مرونة، فكان بري أول من قرع بابه لإدركه مسبقاً أنّ «أبو مصطفى» سيلاقيه إلى منتصف الطريق. المطروح اليوم هو آلية جديدة تقوم على الشكل الآتي: القرارات الأساسية تحتاج إلى إجماع القوى الحكومية، والبقية يكفيها الثلثان زائداً واحداً، من باب عدم إقصاء أي فريق، لا سيما إذا كان معترضاً.

عملياً، تخالف هذه الصيغة المادة 65 من الدستور، كما تخالف مبدأ التوافق الذي يفترض أنه يرعى عمل الحكومة.

حتى الآن، لم تواجه الصيغة الجديدة برفض مطلق من جانب «أولياء» الحكومة، ولم تنل الرضى، بانتظار أن ينهي رئيس الحكومة مشاوراته. ولكن يكفي أن يقول فريق مسيحي إنّه يرفض المساس بصلاحيات رئيس الجمهورية ويخشى من تسهيل عمل الحكومة الشغور الرئاسي، حتى تبدأ أوركسترا المزايدات المسيحية عزفها.

هنا، يحرص حزب «الكتائب» على تسجيل تحفظه على الصيغة لا أكثر، فيما ينقل عن الرئيس ميشال سليمان رفضه لها، حيث يبدو أنّ القوى المسيحية تلعب لعبة «عضّ الأصابع».