عندما فتحنا أعيننا على «طوفان الأقصى»، ذلك السابع من تشرين الأول من العام الماضي، غرق الكثيرون في نشوة الانتصار والأحلام الوردية… كتبوا الكثير. عاشوا أملاً عريضاً بعملية نوعية، قلنا إنها ستُدرّس في المعاهد العسكرية. وانخرط لبنان في «حرب الإسناد والمشاغلة» بعد أربع وعشرين ساعة على «الطوفان» الشهير الذي فاقت شهرته تلك التي حظي بها طوفان نوح وسفينته…
ولم يَطُلْ الوقت حتى انبرى الإسرائيلي الى شنّ حرب تدمير مدينة غزة وقطاعها، قبل أن يلتفت الى الشمال، إلينا في لبنان. وهاتِ قتلاً وتدميراً في حرب إبادة وحشية، هي بالتأكيد غير مسبوقة في تاريخ البشرية بفظاعتها وهمجيتها ووحشيتها… وسقط من سقط من الشهداء في فلسطين المحتلة وفي لبنان، وسقط في البلدين نحو خمسين ألف شهيد وأكثر من مئة ألف مصاب…
وقلنا ما قاله، أيضاً، غيرنا: فدى فلسطين، وهذه مقدمة الحل لإنشاء دولة فلسطين العربية وعاصمتها القدس الشرقية. وأضفنا نقول: وهذا هو المدخل لنهاية الإعتداءات الإسرائيلية على بلدنا لبنان. وذهب بعضنا الى الأبعد فقال: آن الأوان لنحجّ، نحن المسيحيين اللبنانيين، الى الأرض التي أعطت البشرية ملك السلام يسوع المسيح الناصري…
نمنا على هذه الآمال العريضة، لنستيقظ على كابوس ليس كالكوابيس:
لم يكن الحل لِـ «القضية المركزية»، في أي مرة ، أبعد ممّا هو عليه اليوم. فالدولة الفلسطينية المنشودة تبخّرت، وحتى دويلة أبو مازن هي أيضاً تتقلص دوراً وحدوداً، ولن يرف جفن عربي ومسلم من الحكّام (وبالتأكيد من معظمهم)، ولا حتى بالبيانات الخشبية. والجولان السوري الذي هو تحت الاحتلال منذ أكثر من نصف قرن، استحكم به الصهاينة ووسعوا احتلالهم الى مناطق جديدة باشروا بوضع مخطط تنفيذي لإقامة مستعمرات فيها.
أمّا غزة فسيعود جزء منها الى تحت الاحتلال، والجزء الثاني الى الوصاية الهزيلة لدويلة أبي مازن، والجزء الثالث سيكون مخصّصاً الى المزيد من المستعمرات…
والكابوس لا يتوقف هنا، إذ فيه الكثير من «السوسبنس»… وهو ما لا تتسع له هذه العجالة…
وهكذا باتت منطقة الشرق الأوسط، على الأقلّ. مرتعاً للاحتلال الإسرائيلي، الى درجة أنه يدمّر قدرات سوريا العسكرية البرية والجوية والبحرية تدميراً كاملاً من دون أن تطلق عليه رشقة واحدة ولو من فم مسؤول إذا كان متعذراً رميه بقذيفة.
ومع ذلك هناك مَن لا يتردد أو يخجل في أن يخبرنا أن نتنياهو يزهو وهو يحدّثنا عن الشرق الأوسط الجديد… وأنه «حديث خرافةٍ يا أمَّ عمرو».