Site icon IMLebanon

الشرق الجديد

ينشغل المتنازعون في البحث عن أسباب للتدخل الروسي الكبير في سوريا. لكن العمل يتواصل، بدأب، بين خبراء من روسيا وايران وسوريا والعراق وحزب الله، والحديث يدور حول خطط تتعلق بالواقع الميداني في كل من سوريا والعراق. واذا كان الموقف العام، عربياً واقليمياً ودولياً، من الحكم في العراق لا يطابق الموقف من الحكم في سوريا،الا ان التحالف الجديد، يتعامل مع الواقع في دمشق وبغداد في سياق واحد، وفي مواجهة عدو واحد، رغم اقرار الجميع بوجود حساسيتين.

السياق الواحد، والحقيقة الواضحة، هي ان التحالف الجديد، طوعاً او غصباً، ووفق منظوره ومصالحه او وفق طموحات حلفائه، يجد نفسه ملزماً بالعمل على حماية الوحدة السيادية لكل من العراق وسوريا. ومن دون مداورة، يعمل هذا التحالف لتثبيت الحلفاء في مواقع النفوذ داخل الدولة والمجتمع في البلدين المتجاورين.

ومن يفهم معنى التنسيق ووحدة العدو في البلدين، يعرف ان معزوفة «الدولة المفيدة»، او «الاقاليم المناسبة»، لا تسكن الا في عقول من يسعى الى تقسيم سوريا والعراق من الأعداء، او في عقول من تعب من الأصدقاء. وتكفي مراجعة الخارطة، وتبيان متطلبات ضرب دولة الارهاب، حتى يتبين لمن يرغب، ان الامر لا يكتمل الا باستعادة حكومتي دمشق وبغداد كامل السيطرة على كل الشرق السوري وكل الغرب العراقي، كما ان مشروع حماية العاصمتين والمدى الحيوي، يفترض سيطرة كاملة للتحالف على جنوب سوريا وعلى شمالها، كما أن حماية السلطة المركزية في بغداد، تحتاج إلى محاصرة الشطط الكردي المتناقض مع مصالح الشعبين السوري والعراقي.

المعركة التي بدأ فصل جديد منها تستهدف، في مدى غير بعيد، استعادة السيطرة المركزية على كامل الاراضي في سوريا والعراق. وهذا يعني، ببساطة، انه الى جانب ما يجري الاعداد له ميدانياً، فان الخطاب السياسي، كما السياق الاجتماعي ــــ الاقتصادي للمعركة، يستدعي، مرة جديدة، التخلي عن النزعة الاقصائية الموجودة عند الحلفاء كما عند الخصوم.

حروب كالتي تشهدها سوريا والعراق، يتداخل فيها الاهلي مع الوطني، ويشارك فيها اهل البلاد والجوار والقوى النافذة في الاقليم والعالم. وفي هذه الحال، تظهر علامات انقسام اجتماعي على خلفيات كثيرة، ابرزها، اليوم، العنصر الطائفي والمذهبي، المستند، حكماً، الى ثقافة دينية تقوم على مبدأ الخوف المتلازم لمبدأ الاقصاء. وفي هذه الحالة، يتراجع الخطاب التشاركي، وتصبح الهوية الوطنية الجامعة كلاماً تزين به خطابات القادة والزعماء، لكن في حالة سوريا والعراق، حيث الانقسام على اشده، وحيث يواجه المدافعون عن وحدة البلدين، الاستعمار الجديد، ستظل الحاجة قائمة، يوماً بعد يوم، الى الهوية العربية، ولا شيء غير الهوية العربية. ومن لديه وصفة اخرى فليعرضها على الناس.

ما يجري اليوم، في سوريا والعراق واليمن وليبيا، يقدم لنا ما يكفي من الدروس حول صعوبة الانفصال، او نشوء فدراليات انعزالية. حتى التجربة الكردية بالاستقلال تقوم على تبعية عمياء لخارج قوي، بدت هشة عند اول هجوم لـ «داعش» باتجاه اربيل. ومن يرِدِ المزيد من النماذج، فنحن في لبنان نقدم خبرات ستة عقود من التقاتل على خلفيات انقسامية ونزعات انعزالية. فلا النظام الطائفي بنسختي الـ 43 والـ 90 نجح في لم الشمل، ولا الاستعانة بالخارج فرضت واقعاً ثابتاً.

في المقبل من الايام، سنشهد وتيرة جديدة للمواجهات الميدانية في سوريا والعراق. وسيكون الجميع امام حقائق من نوع مختلف. ولن يكون في مقدور احد، ويا للاسف، الاكتفاء بحمل عدّاد الضحايا والخسائر، بل سيضطر الجميع الى القيام بما يراه مناسبا له.

تحديات جديدة باتت امام التحالف المعادي، من المجموعات الارهابية في سوريا والعراق، الى دول الاقليم، في تركيا ودولة العدو، الى امارات وممالك القهر في الجزيرة العربية، وصولا الى الغرب نفسه، بوجهيه الاوروبي والاميركي. كل هؤلاء، لن يكون في مقدورهم اليوم الاكتفاء ببيانات وخطب ومواقف ودبلوماسية بائسة. حتى المشاركة العملانية ستلزمهم بأثمان مباشرة، وكل من يبعث برصاصة الى سوريا، عليه ان يتحسّب لارتداداتها على بلاده وشعبه مباشرة. وبالمناسبة، فان هذا التحدي، يشمل ايضاً روسيا وايران، كما حزب الله في لبنان، لكن الفرق، ان داعمي خصوم الدولة في سوريا والعراق، كانوا ينعمون طوال الفترة السابقة، بهدوء بات اليوم في طريقه الى الانتهاء.

ليس في محورنا من يعد بالعجائب، ولا بعصا سحرية، لكنه تحالف يدرك ان عليه وضع كل طاقته في معركة فاصلة. وان تكامل الجهد بات رهن آليات عمل مختلفة عن السابق. وثمة استعدادات جدية، فيها الكثير من الروية، وفيها الحذر والتحفظ، لمنع الوقوع في اوهام او فخاخ. وهو امر يحتاج الى امكانات ضخمة للغاية، والى وقت وتضحيات. وسنكون امام تجارب ميدانية مختلفة عما عرفناه سابقا. اما الهدف، فهو إحداث تغييرات جذرية في المشهد الميداني في كل سوريا والعراق، في سياق بناء الشرق الجديد… هو الشرق الجديد الحقيقي، سواء ربحنا المعركة ام خسرناها!