IMLebanon

النواب الجدد في «المدرسة» !

بالخدمات ينجح المرشّح، وبالخدمات تُجدّد نيابته… على أرض الواقع، الدور الخدماتي يتصدّر سُلّم أدوار النائب في لبنان، ما قبل نيابته وخلالها وما بعدها.

«نائب الخدمات» مفهوم مُتجذِّر في ثقافة اللبناني الذي يتوقّع من النائب أن «يبيّض وجهه بكمشة زفت» أمام منزله أو بوظيفة، أو حسمٍ في مشفى أو مدرسة أو جامعة، ولا يقصّر في واجباته في الأفراح والأتراح… بمعزل عن أسباب تجذُّر هذه الثقافة (الطائفية، العائلية، المناطقية، إهمال الدولة…). ينسى المواطن أنّ هذه من حقوقه البديهيّة التي على السلطة التنفيذيّة، أي الحكومة متابعتها وتأمينها له من دون منّة، وليس النائب المولج بتشريع القوانين ومراقبة عمل الحكومة.

«عضو مجلس النواب يمثّل الأمة جمعاء، ولا يجوز أن تُربط وكالته بقيد أو شرط من قبل منتخبيه». هكذا يُعرّف الدستور اللبناني النائب. 75 نائباً جديداً حجز لهم ناخبوهم في 6 أيار 2018 مقاعد ومكاتب في مجلس النواب. 75 نائباً يكتشفون عالم التشريع. مهمة صعبة، تتطلب معرفة عميقة، إرادة إنجاز، هدف بناء الدولة، قراءة واطلاع ومتابعة… كُثر فشلوا في أداء هذه المهمة.

كُثر خرجوا من المجلس، مثلما دخلوا إليه، غير ملمّين بعملية التشريع أو بدور النائب الرقابي… كُثر اكتفوا بـ«النمرة الزرقا». غيرهم، مُلمّ بالشؤون القانونية والدستورية والتشريعية، بعضهم مارس ما تعلَّم، وبعضهم لم يُطبّق ما حفظه ويردّده!

بعد أن شُلّ عمل المجلس النيابي في السنوات الأخيرة، وأُغلقت أبوابه خلال أكثر من محطة دستورية، وبعد أن جُمِّد دوره الرقابي منذ أن وضعت القوى السياسية الكبرى رِجلاً في «بور» المجلس وأخرى في «فلاحة» الحكومة، يبدو وكأن هناك نيّة، حسب ما يؤكّد أكثر من نائب، بإعادة تفعيل عمل المجلس، ظهرت ملامحها من خلال عقد جلسات أسبوعية للجان، وإقرارها قوانين، لم تقرّ منذ أكثر من 20 عاماً. كذلك، عُقِدت للمرّة الأولى في المجلس النيابي ندوة حوارية للنواب الجدد حول عمل مجلس النواب ودور النائب والتعرّف الى هيكلية الإدارة والأجهزة في مجلس النواب.

روكز: محاربة الفساد بالتشريع

أكثر من نصف النواب الجُدد، ومن كلّ الكتل النيابية، حضروا هذه الندوة. الحضور، هنا، ليس إجبارياً، أو شكلياً أو «prestige» وإثبات وجود.

النائب العميد شامل روكز من نواب تكتل «لبنان القوي» الذين شاركوا في هذه الندوة.

روكز يُفضِّل صفة «العميد» على «سعادة النائب»، وعلى غرار عمله العسكري يقوم بعمله النيابي بصمت، ويسعى إلى أن يتمكّن منه 100 في المئة. شارك روكز في كل جلسات الندوة على مدى يومين. ويؤكّد النائب الجديد، ذو الخلفية العسكرية لـ«الجمهورية»، أن «هذه الندوة تُشكِّل إضافة للنائب حتى وإن كان يملك معرفة قانونية ومُطلعاً على عمل المؤسسات».

يحمل روكز شهادة جامعية في اختصاص العلوم السياسية، ودرس المالية والمؤسسات العامة، وعلى رغم ذلك، يقول إن «لمؤسسة مجلس النواب وككل المؤسسات نظامها الداخلي وتشريعاتها وخصوصيتها وحيثيتها، ويرتبط المجلس ببقية المؤسسات والسلطة التنفيذية وأجهزة الرقابة والدول الخارجية ولجان الارتباط والتعاون مع برلمانات دول أخرى… وعرّفتنا الندوة الى كلّ هذه الأمور». وإذ يرى أن الأهم أن «يكون النائب على اطلاع مُسبق ع لى المبادئ»، يجد أن لـ«التفاصيل والأنظمة خصوصيّتها».

لن يحصر روكز عمله التشريعي بتكتل «لبنان القوي»، وقد استهلّ عمله النيابي بدراسة وتقديم اقتراح قانون لإصلاح القضاء العدلي، وعمل عليه مع المفكرة القانونية وعدد من النواب من خارج التكتل. كذلك، أعدّ اقتراح قانون حول الإسكان المدني والعسكري، وأطلع التكتل عليه ونال موافقته ودعمه، وسيقدّمه إلى المجلس.

إضافةً إلى فريق عمل تكتل «لبنان القوي»، يعاون روكز فريق خاص من المُختصين في أكثر من مجال، ويقول إن «لكل قانون مراجع وحسابات خاصة. فمثلاً إقتراح قانون حول مسألة الإسكان يتطلّب دراسة من فريق مصرفي وآخر قانوني وثالث اقتصادي. فريق عمل «طويل عريض» عمل على هذا الاقتراح».

وأكثر ما لفت روكز خلال الندوة هو عمل اللجان النيابية وعلاقة المجلس النيابي مع ديوان المحاسبة وأجهزة الرقابة بشكل عام».

يُشدّد روكز على دور النائب الرقابي، وقد يُسمّى وزيراً، ومن المُؤكّد أن التكتل الذي ينتمي إليه سيتمثّل في الحكومة. وعن تمثيل غالبية التكتلات النيابية في الحكومة، ما يشلّ دور المجلس الرقابي، يقول: «لهذه الممارسة تأثير على عمل المجلس، ويُفضّل أن يكون هناك سلطة ومعارضة لإيجاد لعبة برلمانية صحيحة وديموقراطية، وأن تعمل المعارضة بكل قدراتها لمواجهة السلطة وأن تحلّ محلها من خلال الإرادة الشعبية، وأن تقوم السلطة بمشاريع وإنجازات أكثر كي تثبت نفسها. فمردود نزاع السلطة والمعارضة يكون إيجابيّاً دائماً».

وهل سينتقد روكز أداء الوزراء المحسوبين على التكتل؟ يجيب: «سأحاول مراعاة قناعاتي في هذا الموضوع والتشريع أساسي في محاربة الفساد، فيُمكن وضع استراتيجية لمحاربة الفساد من خلال قانون أو عشرات القوانين التي تضبط وضع الفساد في البلد. وهذا الأمر أساسي، ومن خلاله تتم مواجهة جميع الوزراء أو المسؤولين عن إدارات ينخرها الفساد».

سعد: القراءة أولاً

النائب القواتي الدكتور فادي سعد، شارك أيضاً في كلّ جلسات الندوة التي استمرّت يومين (من العاشرة قبل الظهر حتى الثانية بعد الظهر). وكطبيب جرّاح منذ 30 عاماً يُشارك سعد في كثير من الندوات العلمية، ويعتبر أن الندوة التي أقيمت في مجلس النواب أساسية لتطوير القدرات، ولتآلف النائب مع كلّ ما يتعلّق بالتشريع.

بعد انتخاب المجلس النيابي الجديد، وُزِّعت على النواب الجدد مجموعة كتب ومنشورات مُتعلقة بعملهم التشريعي، ومن بينها الدستور اللبناني. وقد اطّلع سعد عليها، ويرى أن هذه القراءات ضرورية. ومن قرأ هذه المطبوعات يجد في هذه الندوة تفسيراً لما قرأه وضبطاً لمعلوماته، لا معلومات جديدة».

يُلخّص سعد الندوة لـ«الجمهورية» بالقول إنها «تساعد النائب على التآلف مع المصطلحات القانونية، والتعرّف الى إدارات المجلس وأجهزته، وكيف يُمكن أن يطلب المساعدة ومِمّن؟ تعرّفه إلى الأشخاص المسؤولين مثلاً عن مركز الدراسات الذي يُمكن الطلب منهم إجراء بحث عن أي موضوع، وإلى الذين يهتمون بالإعلام البرلماني… هذه الندوة مفيدة ومُكمّلة لمعلومات النائب، لكنها لا تغني عن القراءات. على النائب أن يقرأ كثيراً تحضيراً لدوره التشريعي والرقابي».

عمل سعد التشريعي المُستقبلي سيتمّ عبر تكتل «الجمهورية القوية». ويوضح: «كما على مستوى الوزارات، كذلك على مستوى التكتل النيابي، هناك أمانة سر للتكتل، ومكتب قانوني داخل حزب «القوات اللبنانية يُشكّل «backup» للتشريع».

فتفت: حاسبوني على عملي التشريعي

النائب الأصغر في مجلس 2018 – 2022، عضو كتلة «المستقبل» سامي فتفت، شارك في اليوم الأول من الندوة، وتعذّر عليه حضور جلسات اليوم الثاني، لظرفٍ خاص، على رغم أنه كان يود المشاركة، إذ أن الندوة مهمة ومُشّوقة، (كتير Interesting)، على ما يقول لـ«الجمهورية». ويبدو من استفاضته بشرح ما تعلّم من الندوة، أنه «حفظ الدرس الأوّل جيداً»، ولكن تبقى العبرة في التطبيق.

شكّلت الندوة إضافة كبيرة لفتفت من ناحية سير العملية التشريعية، ودور النائب، وأصول المراجعة ودراسة المشاريع واقتراحات القوانين وكل مسار العمل التشريعي، «إضافةً إلى دورنا في عملية مراقبة عمل الحكومة». ويقول: «لم أكن «في الجو» ككثُر من النواب الجُدد»، لكن «مع الوقت نقوى كثيراً». ويعتبر أن «بدنا أكتر»، مشيراً إلى أنه كان يرغب في أن يكون عضواً في لجنة الإدارة والعدل.

ماذا عن دوره الرقابي؟ وهل سينتقد أداء وزراء فريقه السياسي؟ يجيب: «سأراقب عمل جميع الوزراء، لن أتمكّن من انتقاد عمل وزير ينتمي إلى كتلتي النيابية أو تياري السياسي على الملأ، ولكنني سأضيء على أخطائه «بيني وبينه» أو خلال اجتماع الكتلة».

على رغم صغر سنّه، واستمرار عمل والده النائب السابق أحمد فتفت السياسي، يقوم سامي بدور «النائب الخدماتي»، هاتفه لا يتوقف عن الرنين، ويحاول أن يجيب على اتصالات الجميع، فضلاًَ عن مداومته يومين من كل أسبوع في منطقته الشماليّة لاستقبال الناس والوقوف عند حاجاتهم ومطالبهم!

ويرى أن «شق الخدمات في لبنان مهم، إلا أن دور النائب الأساسي هو الدور التشريعي». ويوضح: «موجودون لخدمة الناس بقدر المستطاع، ولكن عملنا يجب أن يتركّز على التشريع، وعلى هذا العمل يجب أن يحاسبنا الناس لا على الخدمات». ويضيف ضاحكاً: «من لا يقوم بخدمات للناس يسقط في الانتخابات».