لم تكن بداية العام الجديد 2018 عادية في وزارة الخارجية والمغتربين, رغم أنّ الاستقبالات التي تًجرى عادة لتقديم نسخ عن أوراق اعتماد سفراء جديد تُشكّل خبراً أقلّ من عادي. لكنّ الكاميرات والأنظار والبث المباشر كانت «مفوكسة» حول حدث واحد، وهو تقديم سفير السعودية وليد اليعقوب نسخة عن أوراق اعتماده لوزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، خصوصاً وأنّ اليعقوب وصل الى بيروت في 20 تشرين الثاني الفائت.
وقبل ساعة وربع تحديداً من الموعد الذي جرى تحديده له من قبل الخارجية، وطأت قدما اليعقوب باحة قصر بسترس متأبطاً الملف الذي يحوي نسخة عن أوراق اعتماده ليسلّمها لوزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل. فدخل الى مكتب المراسم حيث استقبله مدير المراسم بالوكالة عسّاف ضومط، وبقي في مكتبه الى أن حان موعد لقائه باسيل أي حتى الثانية عشرة والنصف. ورغم تدافع الصحافيين والمصوّرين تمكّن اليعقوب من دخول مكتب باسيل فسلّمه النسخة، وعقد معه اجتماعاً دام نحو عشرين دقيقة. وبعد خروجه رفض التصريح للإعلاميين، وزار الأمين العام للخارجية هاني شميطلّي في مكتبه بحسب الأصول قبل مغادرة الخارجية بهدوء بعد أن غادر معظم الإعلاميين.
وبدا سفير السعودية الجديد في لبنان الذي يُسلّم صباح اليوم نسخة عن أوراق اعتماده لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، مبتسماً للصحافيين والإعلاميين الذين جاؤوا بكثافة الى مبنى الوزارة وقاموا بالنقل المباشر، وكأنّه متأكّد من موافقة الرئيس عون على اعتماده. كما استغرب الهجوم المبالغ به من قبل الصحافيين لكي يدلي بتصريح ما، يريح الخائفين على توتّر العلاقات اللبنانية- السعودية وتأثيرها السلبي على أبناء الجالية اللبنانية العاملين في المملكة، سيما وأنّه وفقاً للبروتوكول فإنّ السفير الذي يُقدّم نسخة عن أوراق اعتماده لوزير الخارجية لا يحقّ له الإدلاء بأي تصريح قبل أن يقدّمها لرئيس الجمهورية وتتمّ الموافقة عليها.
غير أنّ اليعقوب العارف بالأصول المعتمدة والبروتوكول التزم الصمت، مكتفياً بتوزيع الإبتسامات شمالاً ويميناً، بهدف طمأنة الجميع بأنّ السعودية ولبنان يريدان أفضل العلاقات الوديّة فيما بينهما، على ما أكّدت اوساط في الخارجية، انطلاقاً من حرصهما على العلاقات التاريخية القائمة بين البلدين. وعرّف اليعقوب عن نفسه وعن مسيرته المهنية، على ما ذكرت الاوساط، فقد عمل سابقاً بصفته الديبلوماسية في سفارة المملكة في بيروت ما جعله خبيراً بشؤون وشجون هذا البلد ومتمرّساً بالحياة السياسية والديبلوماسية، كما تولّى منصب مساعد وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان.
وأكّدت الأوساط أنّ التأخير في تحديد موعد لليعقوب من قبل الخارجية جاء نتيجة عدم تحديد موعد للسفير اللبناني المعيّن في السعودية من خارج الملاك فوزي كبّارة والمحسوب على رئيس الحكومة سعد الحريري منذ تموز الماضي، وأنّه ليس من أسباب أخرى له. فعندما وافقت المملكة على اعتماد السفير كبّارة، جرى تحديد موعد للسفير اليعقوب في بيروت. وأفادت بأنّه جرى التأكيد على حرص الجانبين على أفضل العلاقات الجيّدة والوديّة بين البلدين، وعلى احترام الشؤون الداخلية للدول وعدم التدخّل فيها.
ويمكن القول بأنّ ما جرى في الخارجية أمس وفي قصر بعبدا اليوم هو بداية صفحة أولى على طريق حلحلة العلاقة التي تشنّجت أخيراً بين السعودية ولبنان على خلفية احتجاز الحريري وإرغامه على إعلان استقالته من الرياض تضيف الاوساط، بهدف إحداث «صدمة إيجابية»، على ما صرّح رئيس الحكومة وقتئذٍ، وإعلان الرئيس عون أنّ ما قامت به هو «عمل عدائي تجاه لبنان». كما جرى إقفال الباب نهائياً على الأزمة الني كان يُنذر بها عدم اعتماد سفير في كلّ من لبنان والسعودية، إذ عاد التبادل الديبلوماسي الى سابق عهده.
كذلك فإنّ اعتماد سفير في كلّ من البلدين، من شأنه أن يعيد الملف اللبناني الى دائرة الإهتمام السعودي بحسب الاوساط، لا سيما بعد البلبلة التي أحدثتها بهدف تقويض «حزب الله» ومنع تدخّله في الشؤون الداخلية للدول العربية. فبعد ما أكّد عليه مجلس الوزراء في بيانه حول «التزام جميع المكوّنات السياسية (بما فيها «حزب الله») في الحكومة النأي بالنفس عن أي نزاعات أو صراعات أو حروب، وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول العربية، فإنّ السعودية باتت أكثر اطمئناناً من السابق، على ما شدّدت، وإن لم يتخذ الحزب أي إجراءات ملموسة تشير الى عدم تدخّله العسكري أو السياسي في دول المنطقة.
أمّا عدم موافقة السعودية على اعتماد كبّارة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من تقديم طلب اعتماده، سيما وأنّ العرف الديبلوماسي يُلزم الدول بالموافقة ضمن هذه الفترة المذكورة، فقد مرّت على خير، على ما أوضحت الاوساط، خصوصاً وأنّ عدم الرفض ضمن هذه المهلة تعني الموافقة، وإن لم تقم السعودية بإعلانها. وعلى هذا الأساس، قام لبنان بالموافقة على اعتماد اليعقوب من دون تحديد موعد له من قبل الخارجية ورئاسة الجمهورية، في انتظار تحديد موعد لكبّارة من قبل السعودية.
ولأنّ العقبات السياسية قد تمّ تذليلها، على ما يبدو من قبل البلدين، فإنّ ما حصل لا يتعدّى غيمة عابرة وانتهت تؤكد الاوساط، على أمل أن تتحسّن العلاقات بين البلدين لما فيه مصلحة اللبنانيين في السعودية والسعوديين في لبنان، فضلاً عن سائر المشاريع الإستثمارية بين البلدين. وكشفت بأنّ السعودية قد تفتح مجدّداً موضوع الهبة العسكرية من أجل عودته بقوّة الى الساحة اللبنانية، لكنها لا تزال تترقّب أداء «حزب الله» وإيران في المنطقة قبل اتخاذ قرارها النهائي بشأن هذه الهبة.