Site icon IMLebanon

لماذا هذه المرحلة هي الأخطر؟

 

 

ثلاث مقاربات او سيناريوهات تتصدّر مرحلة ما قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، ومن الصعوبة بمكان الجزم اعتباراً من الآن بالسيناريو الذي سيطغى على غيره.

تتركّز أنظار معظم اللبنانيين على مرحلة ما بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، باعتبارها ستشكّل فاتحة لمرحلة وطنية جديدة، ولكن المرحلة المبهمة أو المجهولة هي المرحلة الفاصلة عن انتهاء هذه الولاية، بمعنى، هل ستمرّ بسلاسة وهدوء أم ستشهد سخونة سياسية، خصوصاً انّ هناك من يتعامل مع هذه المرحلة على قاعدة تقطيع الوقت المتبقي من العهد، فيما هناك من يصفها بالمرحلة التأسيسية للعهد الجديد؟

 

وفي هذا السياق يمكن الحديث عن ثلاثة سيناريوهات أساسية لمرحلة ما قبل نهاية عهد الرئيس عون:

 

السيناريو الأول، أن يُصار إلى تكليف رئيس حكومة من دون ان يتمكّن من التأليف أو بسبب عدم الرغبة في التشكيل، كون مرحلة الأربعة أشهر الفاصلة عن نهاية الولاية لا تحتمل الدخول في مسار تأليف وبيان وزاري وثقة، وبالتالي يتمّ الاكتفاء بحكومة تصريف الأعمال القائمة بانتظار الانتخابات الرئاسية التي تشكّل المدخل لإعادة إنتاج كل السلطة.

 

فلا حاجة لتأليف حكومة ستتحّول بعد فترة وجيزة جداً إلى حكومة تصريف أعمال، ويثير تأليفها الانقسامات والخلافات والتوتر السياسي، فيما التركيز يجب ان يتمحور في هذه المرحلة حول ملفين أساسيين: الملف الأول متابعة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، التي تحولت إلى حكومة تصريف الأعمال، للملفات المالية والاقتصادية، خصوصاً انّها عزّزت رصيدها المحلي والدولي في قدرتها على إنجاز استحقاق الانتخابات النيابية.

 

الملف الثاني، الدفع باتجاه انجاز الاستحقاق الرئاسي ضمن المهلة الدستورية، وان يحصل التسليم والتسلُّم بين رئيس منتهية ولايته ورئيس جديد، وهناك دفع داخلي وخارجي من أجل إتمام الاستحقاق الرئاسي ضمن المهلة الدستورية.

 

السيناريو الثاني، ان يحاول النائب جبران باسيل مدعوماً من «حزب الله» ان ينتزع التكليف ويذهب باتجاه التأليف، من أجل العودة إلى الحكومات التي كانت أخرجته منها الثورة، وأعلن بعد الانتخابات طي صفحة حكومة الاختصاصيين من دون الوزراء السياسيين، والخلفية وراء هذا التوجُّه تكمن في الرباعية التالية:

 

أولاً، لأنّ توقيع الرئيس عون يسمح له بالحصول على الحصة الوزارية الأكبر كماً ونوعاً، وما يستطيع انتزاعه في آخر حكومات العهد لن يتمكن من انتزاعه في حكومات العهد الجديد.

 

ثانياً، لأنّ «حزب الله» الذي لم يتعهّد لباسيل بخلافة عون، سيضطر إلى التعويض له بحكومة يدخل إليها باسيل معززاً بحقيبة وثلث معطِّل مُضمر.

 

ثالثاً، لأنّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية غير مضمون، إذ قد يتعذَّر الاتفاق أو التوافق على الرئيس الجديد، وبالتالي يفضِّل باسيل ان يكون في صلب الحكومة التي ستدير الفراغ الرئاسي.

 

رابعاً، لأنّ أولوية باسيل رئاسية بامتياز، وهو يفضِّل إدارة المعركة الرئاسية من موقع حكومي ووزاري متقدِّم، حيث انّ الحكومة عموماً والحقيبة الوزارية خصوصاً، تتيح لهما إطلالات متواصلة على الرأي العام.

 

وخلافاً لما تردّد عن سعي النائب باسيل لانتزاع حقيبة الخارجية والمغتربين، فإنّه في ظلّ العقوبات الأميركية عليه لن يكون باستطاعته تولّي هذه الحقيبة كونه سيكون مقيّداً بعلاقاته وزياراته الخارجية، ولن يكون مستحباً تعيين وزير للخارجية لا تزوره السفيرة الأميركية، وهو غير قادر على زيارة واشنطن وربما أكثر من عاصمة دولية بسبب هذه العقوبات.

 

وعلى رغم ذلك فإنّه لا يجب التقليل من عزم باسيل على تأليف حكومة جديدة تعيده إلى مقدّمة المسرح السياسي وتجعله في صلب القرار الوطني من دون أن يأبه لفراغ رئاسي قصير أو طويل، طالما انّه في متن الحكومة، فيما أخصامه المسيحيون خارجها.

 

السيناريو الثالث، ان تدخل البلاد في توتير سياسي على خلفية اضطرابات شعبية مفتعلة ربطاً بالغلاء الفاحش، او على خلفية انقسامات سياسية، وذلك انطلاقاً من مبدأ انّ نهاية ولاية الرئيس عون لا يمكن ان تنتهي بهدوء وسلامة، وانّ التوتير سيكون سيِّد الموقف في محاولة لفرض أمر واقع جديد.

 

ومن الخطأ استبعاد هذا السيناريو، لأنّ العهد عوني، يمكن ان يستخدم كل الوسائل التي تمكّنه من الاحتفاظ بأوراق القوة للمرحلة المقبلة، وان تكون له تحديداً الكلمة الفصل في تسمية رئيس الجمهورية المقبل، ولن ييأس النائب باسيل من السعي لخلافة الرئيس عون، خصوصاً بعد تحوله إلى الحليف الأقوى ومن دون منازع لـ«حزب الله»، الذي خسر معظم حلفائه في الانتخابات النيابية.

 

ومشكلة باسيل ليست مع أخصامه الذين يرفضون حكماً رئاسته للجمهورية، إنما مع تبنّي «حزب الله» له من عدمه، وما إذا كان قادراً على توسيع تجربة التعاون مع الرئيس نبيه بري في الانتخابات النيابية والانتخابات الداخلية في مجلس النواب لتشمل الانتخابات الرئاسية، وليس خافياً على أحد بأنّ هناك من ينتظر استحقاق التكليف ليحاول مقارنته مع استحقاق انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه، وإسقاطه على الاستحقاق الرئاسي. فإذا نجح فريق 8 آذار بانتزاع التكليف مجدّداً فيعني انّ حظوظ فوزه في الانتخابات الرئاسية ستكون مرتفعة، في حال تمكّن من الاتفاق على مرشّح واحد، خصوصاً في ظل صعوبة تعطيل النصاب من الفريق الآخر، وليس سراً انّ «حزب الله» يضع كل ثقله وجهده ويجري «بوانتاجاً» دقيقاً للفوز باستحقاقي التكليف ورئيس الجمهورية.

 

وخطورة هذه المرحلة ودقتها، انّها مرتبطة باستحقاقات دستورية أبرزها تكليف رئيس حكومة وانتخاب رئيس للجمهورية. ولكن في ظلّ عدم امتلاك أي فريق للأكثرية النيابية، فإنّ فريق 8 آذار يبقى الأقوى بسبب تماسكه ودور «حزب الله» كضابط إيقاع أساسي قادر على إدارة تناقضات فريقه والخروج بانتصار تلو الانتصار، مستفيداً من تعددية الجسم المعارض وغياب المايسترو الواحد لديه والقادر على جمع صفوفه وتوحيدها.

 

والكارثة الكبرى مثلاً، ان ينتخب مجلس النواب رئيساً للجمهورية من فريق 8 آذار، لأنّ أي رئيس من هذا الفريق يعني استمراراً للأزمة الوطنية والمالية، ولن تختلف ممارسته عن الرئيس عون، بل ستشكّل استمراراً له بحلة شكلية جديدة، ومن هنا على المكونات المعارضة ان تعي حجم المسؤولية الوطنية الملقاة عليها بدءاً من استحقاق التكليف، وإلّا ستكون كمن يسلِّم البلد ديموقراطياً للفريق الذي أُطلقت عليه تسمية المنظومة وحمّلته مسؤولية الكوارث التي حلّت بالبلد.

 

فقد دخل لبنان في مرحلة سياسية جديدة ودقيقة، ومن الواضح انّ جميع القوى تجري حساباتها بدقة متناهية، كون أي خطأ في الحساب سيمتد إلى ولاية رئاسية جديدة، في وقت لم تعد تحتمل فيه الأخطاء، ولذلك، تُعتبر هذه المرحلة الفاصلة بين انتهاء الانتخابات النيابية، وقبل انتهاء ولاية الرئيس عون، من أخطر المراحل في لبنان، لأنّه في ضوئها سيتقرّر مصير البلد في السنوات الست المقبلة أقله.