كتبت قبل اسبوعين مقالاً بعنوان “لبنان في افضل حال”، وتعجّب كثيرون من تلك الرؤية الغارقة في التفاؤل، لأن لدى كثيرين نظرة متشائمة الى مستقبل البلد في محيط متفجّر. لكني ما زلت مصرّاً على فكرتي وتفاؤلي، اذ ان احوال لبنان تمضي بعكس رياح المنطقة كلها. ففيما تتخبط دول المنطقة بحروب ونزاعات، يمضي لبنان في حوارات داخلية لم تستطع توترات الجوار ان تنال منها. والوضع الامني الى مزيد من الاستقرار مع نجاح القوى الامنية في التصدي لكل محاولات زعزعة الاستقرار. والبلد يحمل عبء نحو مليونَي لاجئ على ارضه، من دون ان تهوي بناه الفوقية والتحتية حتى اليوم، وقد تمكن من تجاوز ازمات هائلة، بدءاً من اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الى الانسحاب السوري، والحرب الاسرائيلية عليه في 2006، وانقلاب 7 ايار 2008 وغيرها من المحطات. واذا كانت “عاصفة الحزم” وتّرت الاجواء الداخلية، إعلامياً فقط، فإنها، مع قرار مجلس الامن بشأن اليمن، تعيد رسم التوازنات في المنطقة العربية وتحجب عنها “الفرسنة” (من الفرس). لكن التطورات، ومعها اعادة التوازنات، يمكن ان تخلق، اضافة الى الحرب الساخنة القائمة في غير مكان، حرباً باردة تستمر الى زمن غير محدود، ما دامت الدول الكبرى تفيد من صراعات الآخرين في السياسة والاقتصاد. والحروب المستمرة تلك، مع تقاطع ارادات دولية واقليمية في المحافظة على الاستقرار اللبناني، قد تدفع في مدة قريبة الى الضغط على افرقاء الداخل لانتخاب رئيس للجمهورية وتدعيم الاستقرار الداخلي. ويزداد الحديث في اوساط ديبلوماسية عن الدفع بهذا الاتجاه، وعن نقل تلك الرغبة الى الافرقاء اللبنانيين، مباشرة او بالتواتر، للقبول برئيس وسطيّ يقبل به المؤثّرون في القرار الداخلي، ولا يعترض عليه الخارج، ويكون قادراً على بناء علاقات جيدة مع مختلف دول العالم.
واذا كان المطلوبَ رئيسٌ توافقيٌ، فمعنى ذلك ان لا فرصة لمرشح 14 آذار الدكتور سمير جعجع، ولا لمرشح 8 آذار العماد ميشال عون، وعليه يمكنهما في حوارهما الجاري قدماً ان يتفقا، وربما بمباركة بكركي، على اسم ثالث يكون معبّراً عن ارادة المسيحيين، فيحفظا حقهما وحق المسيحيين في اختيار الرئيس قبل فوات الاوان وتوافق المتحاورين في الجهة المقابلة على اسم الرئيس، والخروج “من المولد بلا حمص”، كما يردد المصريون.
حتى اليوم يمكن العماد عون ان يكون صانع الرئيس، ويمكن الدكتور جعجع ان يحافظ على حق الفيتو، فيقطفان بعضاً من ثمار. ولكن بعد حين سيفقد كلاهما هذا الحق، وربما ابلغَتْهما ذلك مصادر ديبلوماسية.
الرئاسة تقرع الباب، واللعبة، كانت وستكون اكبر من حساباتنا الداخلية، واكبر ايضا من حسابات حلفاء السعودية وايران في الداخل، فهل نعي الامر ونتحسّب له، أم نفاجأ، كما العادة؟.