باستثناء الطاولة المُجددة التي جمعت الأقطاب السياسيين حولها، لم يحمل حوار ساحة النجمة في حلقته الاولى ما يشي بأن ثمة أملا في أن يحقق خرقاً في المشهد المأزوم في المدى المنظور، أو ينجح في احتواء نقمة شعبية عجزت حتى في الشكل عن التعبير عن معاناة أكثرية صامتة تنوء تحت ثقل الأزمات والاستحقاقات.
جلّ ما حققته الجلسة الاولى أنها أثمرت حتى قبل انعقادها تسوية سياسية أجازت لمجلس الوزراء العودة إلى الانعقاد لبحث ملف النفايات مع عودة “نصف” المقاطعين وإنما بتمثيل كامل، إذ حضر عن “تكتل التغيير والاصلاح” الوزير الياس بو صعب وغاب الوزير جبران باسيل، وعن “حزب الله” حضر الوزير حسين الحاج حسن وغاب الوزير محمد فنيش!
وهذا انجاز لم يكن ليتحقق بعد إنسحاب وزراء الحزب والتكتل قبل أسبوعين، لو لم تنضج التسوية التي تتيح للمجلس العودة إلى الانعقاد وربما إلى الانتاج في الملفات الملحة. ولعل أفضل ما انتجه اليوم الطويل بين ساحة النجمة والسرايا والتحركات الشعبية ما بينهما، إنجاز الحكومة ملف النفايات بما يؤشر إلى إحتمال عودة الانتظام الى عمل مجلس الوزراء، بينما تنتقل جلسات الحوار الى فصول جديدة من المناقشات في انتظار بلورة المشهد الاقليمي.
ليس صحيحاً ان الحوار العائد بنسخة معدلة لم يحمل جديدا في الشكل والجوهر.
فالحوار العائد بعد عام و4 أشهر من الانقطاع، غيّر مكانه واستبدل سيده، فمن قصر بعبدا حيث انعقدت آخر جولة في 5 أيار 2014 أي قبل 20 يوما من إنتهاء ولاية رئيس الجمهورية، حطت طاولة الحوار في ساحة النجمة التي دعا اليها رئيس البرلمان وترأسها بدل رئيس الجمهورية الغائب بفعل الشغور منذ نحو عام ونيف.
ملفات الحوار لم تتبدل وإن زادت حدتها وسط تفاقم الاصطفافات السياسية وتشبث كل فريق بمواقفه. جديدها الرئاسة والنفايات، ما يدل على مدى الانحدار الذي بلغته البلاد في ظل الشغور.
لا يعول المتحاورون كثيرا على جلسات الحوار. فالملفات المطروحة للنقاش حلها ليس داخلياً. وما عجزت الحوارات الثنائية بين “المستقبل” و”حزب الله” من جهة وبين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” من جهة أخرى، على معالجته، لن يأتي حلها على مستوى الحوارات المفتوحة.
صحيح أن الجولة الاولى إستعادت وصل ما إنقطع، فأعادت المتحاورين إلى الطاولة متجاوزة عقدة الاستراتيجية الدفاعية أو ما يعني عملياً سلاح “حزب الله”. فالموضوع غير مطروح على جدول الاعمال. كما تجاوزت الجلسة غياب الرئيس، فبدا، ككل أمر آخر منذ 25 ايار 2014 أن الحياة السياسية تسير طبيعية، ولم تسجل حدة في المواقف، بإستثناء السجال الذي دار بين العماد عون والوزير بطرس حرب في اللحظات الاخيرة. لكن ما ظهر واضحا من الآراء التي جرى تداولها أن عقدتين ستحكمان مجرى النقاشات في الجلسات المقبلة، هما العقدتان اللتان تطرحهما المكونات المسيحية على ضفتي 8 و14 آذار وتعوقان أي تقدم او خرق في المشهد السياسي: من أين يبدأ الحوار أعماله؟ من ملف الرئاسة كما يطالب اركان 14 آذار وكما ورد في سلم أولويات جدول أعمال الحوار، أو من ملف الانتخابات الذي يتمسك به العماد ميشال عون بندا أول قبل أي نقاش آخر؟
لم تصل مناقشات الجلسة الاولى إلى جواب حاسم في هذا الشأن ولا يتوقع مشاركون في الحوار جوابا قريبا في الجلسات المقبلة، ذلك أن ساعة الحوار ستظل مضبوطة على الساعة الاقليمية التي ستحسم هذا الجدل، وإن كان التوجه الخارجي واضحا بإعطاء الاولوية للإستحقاق الرئاسي قبل أي ملف آخر.
مفارقة شابت طاولة الحوار وتمثلت في ما طرحه رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان عشية الجلسة، وتمثل بدعوته إلى “تحويل الحوار مؤتمرا تأسيسيا يقارب الازمات والاشكاليات بعدما سقط النظام السياسي”.