Site icon IMLebanon

السعودية الجديدة

“السعودية ٢٠٣٠” هذه ليست رؤية إقتصادية طموحة إنها مسيرة فذة على طرقات بنيوية كثيرة، لا تقتصر على مقاربة جديدة لعنصر النفط الأساسي، بل تتناول كل شيء في المملكة : الإقتصاد، التنمية، إعادة بناء قواعد الإنتاج، تنويع مصادر الدخل، ترسيخ علاقة السلطة بالمجتمع على أسس من الحداثة الممنهجة، ما يرسي في النهاية وقبل ٢٠٣٠ عقداً إجتماعياً يتناسب مع دور المملكة المرجعي عربياً وإقليمياً ودولياً.

استمعت جيداً الى ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يشرح في مقابلة مثيرة مع تركي الدخيل في “العربية”، برنامجه الشامل حول رؤيته للسعودية بعد عقدين من الزمن، وسبق لي ان قرأت المقابلة التي أجراها معه موقع “بلومبرغ”، والتي إستهلّها بالقول ان الديبلوماسيين في الرياض يطلقون على الأمير الشاب لقب “سيد كل شيء”، لكن من خلال العناصر الشاملة التي تقوم عليها خطته التي أقرّتها الحكومة، والتي تستند اساساً قواعد ثاقبة لإعادة هيكلة الإقتصاد وتحديث اداء الحكومة، ليس من المغالاة القول انها مدخل الى السعودية الجديدة.

المعلومات التي شرحها الأمير محمد عن رؤيته تعني ان المملكة سيكون لها صندوق سيادي يدير إستثمارات حجمه تريليونا دولار، وهذا يعني ان الخريطة الإقتصادية السعودية الجديدة ستعيد بناء وتشكيل صناديق الإستثمارات السيادية في العالم في ضوء التغييرات العميقة التي تشهدها المملكة، لأن صندوقها سيكون أكبر صندوق في الكون، وهو ما يقول “بلومبرغ” إنه يكفي لشراء “آبل وغوغل ومايكروسوفت وبير كشير هاثاواي” وهذه كبرى شركات العالم.

ما يوازي الإقتصاد أهمية وربما يتقدم عليه هو الحوافز والرؤيا والطموح، التي برزت عناصرها عندما شرح الأمير محمد كيف يرى نفسه بالقول هناك فرق كبير بين من يسعى الى تحقيق رؤيته الخاصة ومن يسعى الى التكيّف مع محيطه، فالأول يستطيع ان يوجد شركة آبل مثلاً والثاني يستطيع ان يكون موظفاً ناجحاً في آبل. لهذا ليس غريباً ان يعتبر ان تقديس النفط مسألة خطيرة: “لقد أصبح مثل دستورنا، نحن في حال إدمان نفطية ونسينا ان الملك عبد العزيز ورجاله أسسوا المملكة بلا نفط وتحدوا الإستعمار البريطاني وكسروه… لا النفط يأتي من عملك في الاستثمار”.

يقول الأمير محمد هناك مثلاً مشكلة في الإنفاق العسكري، فالمملكة ثالث دولة في العالم في الإنفاق وتقويم جيشها في العشرينات، “وعندما أدخل قاعدة عسكرية أجد الأرض مبلطة بالرخام والجدران مزخرفة والتشطيب خمس نجوم، وعندما أدخل قاعدة أميركية أجد القساطل في السقف وليس في الأرض لا رخام ولا سجاد فقط إسمنت عملي”!

هذا الكلام ليس عن القواعد العسكرية فحسب، بل ضمناً عن المملكة والحكومة والسلوك الذي يريد ترشيقه وتحديثه، لهذا تبدو “رؤية السعودية ٢٠٣٠” مشروعاً لمستقبل المملكة.