على وقع التعثر الذي أصاب المبادرة الروسية الخاصة بإعادة النازحين السوريين الى بلادهم، كشف ديبلوماسيون غربيون أنّ على نظرائهم الروس والقادة العسكريين الذين وضعوا الخطط لهذه لغاية الإنتظار الى مطلع سنة 2020 على الأقل للبحث فيها. وإذا أرادوا الإحتفاظ بهذه البرامج الى حينه فسيكون جيداً في خدمة التاريخ، فهناك سيناريوهات أخرى قد تُنهي صلاحياتها الى حينه. فما هو أبرزها؟
في الكواليس الديبلوماسية الأميركية والأوروبية توافقٌ غير مسبوق على اعتبار أنّ الخطط الروسية التي وُضعت من أجل عودة النازحين واللاجئين السوريين من 57 دولة في العالم قد طُويت في الوقت الراهن. وإنّ أيّ حراك يتصل بهذه الخطط وطريقة تنفيذها لا يعدو كونه نوعاً من «البروباغندا» الديبلوماسية للتأكيد على مسار السياسة الروسية في سوريا والمنطقة وما يستلزمها من عدة الشغل في إطار المساعي لمقاربة الأزمة السورية من البوابة الإنسانية وتعزيز قدرات النظام في هذه المرحلة بالذات لأكثر من ألف سبب وسبب.
وفي فهم هذه الديبلوماسية الغربية انّ الخطط الروسية كانت متسرّعة ومرتجلة لم تستند عند اطلاقها سوى الى توقيتٍ اختاره الكرملين بذكاء ودهاء لم يسبقه إليه أحد. فقد وُضعت خطط الترحيل وتجميع النازحين واللاجئين من دول الجوار السوري ودول الشتات الواسعة بطريقة لم تكن تقليدية وعادية.
واستندت السفارات الروسية الى الأرقام التي وضعتها المؤسسات الإنسانية الأُممية والمحلية في كثير من الدول ولا سيما منها تلك التي تُعنى بالنازحين واللاجئين ومنها المفوّضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ومنظمات إقليمية محلية أبدت إهتماماً بإحصائهم حيث ما انتشروا.
وبعد أن تبنّت موسكو هذه الأرقام على علّاتها بفعل وجود أرقام وهمية وأُخرى غامضة لا تستند الى أيّ أساس وقد تكون السفارات السورية التي ما زالت تتعاطى مع النظام قد ساهمت فيها الى حدٍّ بعيد، وخصوصاً في بعض الدول البعيدة جغرافياً من منطقة الشرق الأوسط بهدف الإيحاء بأنّ هناك جهوداً كبيرة قد بُذلت لهذه الغاية.
وبعد أن تبنّتها القيادة الروسية اختارت توقيتاً مميّزاً يوحي بكثير من الثقة امام العالم والشعوب المختلفة. فأطلقت مبادرتها بعد اقل من اسبوعين على قمّة كوبنهاغن التي جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره الأميركي دونالد ترامب نهاية الربيع الماضي لإعطائها شرعية دولية وفرضها أمراً واقعاً ما لبثت أن أنهكته واشنطن بتريّثها، أولاً لجهة نفي أو تأكيد أنّ ما تمّ التوصّلُ اليه كان من ثمار القمّة التاريخية بين الرجلين.
والى هذه الخطوة الأميركية التي اتّخذت التريّث أولى خطواتها تجاه الخطة قبل أن توجّه اليها سهام الرفض لمجرد أنها لم تكن على جدول أعمال القمة. وهو موقف أميركي زرع الشكوك حول الخطة ومراميها في شكلها وتوقيتها وما تقتضيه من تمويل كبير لم يستشرْ الروس أيّاً من الدول التي ستكون مصدره بنحوٍ مسبَق وبطريقة تقليدية وطبيعية.
ويعترف الديبلوماسيون الغربيون أنّ الروس حاولوا وضعَ معظم دول العالم أمام أمرٍ واقع جديد وصعب ليس من السهل تجاهلُه، طالما أنه يحاكي مجتمعاتهم التي كانت بدأت تتلقّى النتائج الكارثية لانتقال النازحين إليها بأعداد لا تُحتمل تلازَم وجودهم فيها مع موجات تفجير وإعتداءات إرهابية كما حصل في المدن الفرنسية والبلجيكية والمانيا ومناطق أخرى، والتي طاولت بفظائعها مسارح ومؤسسات إعلامية وملاعب رياضية بغية بثّ الذعر في نفوس المواطنين ابناء هذه الدول.
وبذلك باتت خططُ الترحيل المخرَج الإجباري لمواجهة هذه الحالات أيّاً كانت كلفتها فهي تبقى في نظر حكومات هذه الدول وشعوبها أقل كلفة مهما بلغت إذا ما تمّت مقارنتها بما تحتاجه برامج الرعاية الإجتماعية والإنسانية المعمول بها في هذه الدول من كلفة تفوق كل التوقعات.
وعليه، فقد وضعت هذه الخطط المجتمعات وحكوماتها للوهلة الأولى امام مسؤوليات لم تستطع التهرّب منها سوى بربط تنفيذها بما هو غير متوقع في وقت قريب. فكان الخيار بالتمنّي بتأجيلها الى حين ولوج الأزمة السورية مراحل الحلول السياسية السلمية والمصالحات التي لا بد منها وبعد إعمار المناطق المدمَّرة في سوريا وتأهيلها.
كما ربطت بين إمكان تنفيذ برامج العودة لمواطنين فرّوا من بطش نظام لم يغادر السلطة بعد. لا بل فقد أحكم سيطرته على كثير من المناطق التي انتفضت في وجهه وليس من السهل القبول بعودة اهاليها اليها سواء لأسباب امنية أو مذهبية وطائفية أو عرقية وقبائلية.
على هذه الأسس وضعت الديبلوماسية الغربية خططها للتخلّص من «البروباغندا» الروسية وما كان عليها سوى ربط هذه البرامج وتوفير مصادر تمويلها بالحلّ السياسي البعيد المدى في سوريا لفرملة اندفاعتها.
وهو أمر رهنته بعض الحكومات بمصير النظام في ظلّ قيادة الرئيس بشار الأسد ومعها بخطط إعادة إعمار ما دُمِّر كترجمة فعلية لما تقول به القوانين والمواثيق الدولية، التي تدعو الى توفير مقوّمات الحياة الطبيعية والآمنة والمستقرّة ومعها فرض العمل المفقودة قبل التفكير في عودة أيِّ لاجىء اليها.
فالمناطق المنكوبة تحكي عن معاناتها ومصاعب العودة إليها من دون أيِّ تحقيق. فمعظم المناطق التي هجرها أهلها مدمَّرة ومُسحت منازلهم بالأرض وتغيّرت أحياؤهم وبات من المستحيل في ظلّ التدابير التي اتّخذتها القيادة السورية للتصرّف بأملاك الغائبين – وهو ما ترجمه القانون الرقم 10- الذي أنهى أحلامَ سكان عدد من المناطق بالعودة اليها نظراً الى ما أقرّه من آليات لا تسمح بعودة 99 % من سكانها اليها، وهي في مجملها من مذاهب وطوائف انتفضت في وجه النظام وعارضته بالسلاح ولا يمكن القبول بعودتها اليها بسهولة، وربما في خلال عقود من الزمن.
وفي ظلّ هذه التعقيدات التي لا يمكن تجاوزُها ببساطة كشفت معلومات وردت من عواصم غربية عن خطط جديدة مقترحة لتجاوز الآثار السلبية التي تركتها أزمة النزوح في دول الجوار السوري.
ومن بينها مشروع يتحدث عن «دولة سنّية» بوشر ببنائها في مناطق تجمع بين الحدود الشرقية لسوريا والأراضي المقابلة لها في الغرب العراقي وفي مناطق تمتدّ شرق الفرات، وهي منطقة تحتاج الى كثافة سكانية سنّية في مواجهة الكثافة الشيعية في العراق بغية توفير نوع من التوازن المفقود فيها.
وفي السيناريوهات المتداوَلة على نطاق ضيّق حديث عن إمكان إقناع السعوديين بنقل نحو نصف مليون سوري الى المنطقة الجديدة الجاري بناؤها وفق خطة الإعمار الشاملة التي تستند الى «رؤية العام 2030» التي أطلقها وليُّ العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز. فهي تحتاج الى ضعفَي اليد العاملة المحكي عنها علماً أنّ اليد العاملة السورية ماهرة وتتقن مختلف انواع الأعمال الخفيفة في البناء والخدمات السكنية والتجارية والصناعية الخفيفة.
وعلى هذه الخلفيات يتطلّع المراقبون الى كل هذه المشاريع بعين القلق من مشاريع تُطبخ في الخفاء، فيما يتلهّى اللبنانيون بالمناكفات الداخلية ويبحثون عن وزير مجهول الهوية يحول عدم الاتفاق عليه دون تأليف الحكومة، فيما الخطط تنسج ومعها ما يمكن أن تعكسه على الساحة اللبنانية من مخاطر وتجاذبات وليس هناك مَن يتابعها أو يرصدها قبل فوات الأوان.