التمكن من تجاوز قطوع التشكيل الحكومي، بعد أكثر من خمسين يوماً محمومة من مفاوضات التشكيل، هو بأقل تقدير باعث على الارتياح، مقارنة بنوبات الصعود والهبوط بالانتظارات والتوقعات في الأسابيع الأخيرة.
لا يلغي ذلك جدية كل المآخذ على الطابع الفضفاض للحكومة، وكثرة وزراء الدولة، وجدية السؤال حول كيفية ادارة الاختلاف داخلها.
كما لن يلغي ذلك المشكلة التي تعترضنا عند كل استحقاق، وهي الافتقاد لمعايير واضحة لتنظيم الأمور وايفاؤها حقها في مدد زمنية لا تتجاوزها، وعدم القدرة على النهوض بالمعايير الدستورية بشكل ثابت ومنهجي، طالما أن هناك فريقاً يفرض «على كيفه» ما يحتاج الى توافق مطلق حوله غير مشروط بأمد، وما هو خارج التداول من الأساس، ناهيك عن بدعة «تثبيت حقائب» في طوائف بعينها.
ورغم موافقة الجميع على أن مجلس الوزراء ليس «برلماناً مصغراً» حيث أنه يجسد السلطة التنفيذية، الا أنّ تركيبة النظام السياسي لا يمكنها التهرّب في بلد كلبنان من هذا البعد، بشرط ضبطه بما يعطي حداً أدنى من الفاعلية والانسجام.
بقي أن آخر انتخابات حصلت قبل سبع سنوات، وكانت الانتخابات الوحيدة في تاريخ لبنان التي أفرزت بوضوح أكثرية وأقلية سياسيتين، انما كان هذا وضوحاً صمد فقط لأيام معدودات بعد الانتخابات، وظهر بشكل سريع أن انعدام التوازن الذي يفرضه امتلاك فريق للسلاح والميليشيات من الصعب موازنته بصناديق الاقتراع وحدها.
وبعد الانتخابات الماضية، أجمع كل النادي السياسي ومعه المجتمع المدني على أن لا عودة الى قانون الستين، من دون أن يتأمن الاتفاق حول القانون الانتخابي البديل عنه، وما زلنا بشكل أو بآخر أمام هذه المعضلة، التي بررت حتى الآن تمديدين لمجلس ما عاد بالمستطاع الركون الى الأحجام فيها وحدها.
بالتالي، كانت مفاوضات التشكيل الى حد ما تتقصد تحقيق «أحجام تمثيلية» بعد سبع سنوات من آخر انتخابات، لكن قبل بضعة أشهر على الموعد المفترض للانتخابات النيابية، بعد تأجيلها مرتين منذ ثلاث سنوات. وحسناً، أمكن الخروج بعد كل هذه الضغوط المختلفة لتحقيق كل فريق التمثيل الحكومي الذي يريده بتشكيلة، لأن الكثير من الأخذ والرد حول الحصص والحقائب كان أشبه بـ «استباق الانتخابات النيابية» بانتخابات افتراضية مصغرة.
يبقى أن الانسجام في الفترة المقبلة بين الرئيسين «العائدين»، ميشال عون الى قصر بعبدا بعد ربع قرن، وسعد الحريري الى السرايا الحكومية بعد خمس سنوات على «ملعوب الثلث المعطل»، هو الذي يكفل الى حد كبير منح الحكومة الجديدة حيزاً من المناعة للسير بالأشهر المقبلة نحو التوصل الى قانون انتخابات واقعي يمكن الاحتكام اليه في الانتخابات المقبلة، ويؤسس في الوقت نفسه لحد أدنى من عدم انفعال الوضع اللبناني بالتدهور الكارثي والكابوسي للمسألة السورية، والقدرة بالضد من ذلك على فعل لبناني بازاء هذا التدهور، ينسجم مع ما ورد في خطاب القسم حول سياسة لبنان المستقلة، كما ينسجم في الوقت نفسه مع المضامين المنتصرة لحقوق الانسان والديموقراطية في الدستور اللبناني، ومع الانتماء العربي للبنان في عصر «المد الايراني».
اذا ما قضى المعيار بتفصيل أسماء الوزراء والحقائب واحداً واحداً لارتفع منسوب التشاؤم عند النظر الى هذه الحكومة، اما اذا نظر للأمر بمحددات اجمالية أساسية، منها أن العهد الرئاسي الجديد حمى عملية اقلاعه بتشكيلة حكومية، وأن معادلة الاعتدال قائمة، ليس فقط في مواجهة «التطرف» بل قبل كل شيء في مواجهة «الوحشية» لاستعادة وصف الرئيس سعد الحريري بالأمس للاجرام بحق حلب وأهلها، ومن أنها حكومة يشارك فيها حزب «القوات» لأول مرة بهذا العدد من الوزراء، رغم سلبية كون «الكتائب» خارج التشكيلة، فكل هذا بمقدوره أن يكبح التشاؤمية.