Site icon IMLebanon

لسوريا الجديدة «شرطة» بدلاً من «جيش» حتى التسليح الغربي

 

 

إذا صحّ الإعتقاد انّ كل ما يجري على الساحة السورية مخطط له بالتفاصيل المملة للانتقال من «سوريا المفيدة» إلى «سوريا الجديدة»، فإنّ ما يجري على أراضيها وأجوائها وفي بحرها، يؤدي إلى دفن «الدولة الخالية» من الصناعات العسكرية الروسية لاستبدالها بـ «دولة جديدة» بسلاح غربي. فبات مقنعاً تدمير إسرائيل لأسلحتها المتهالكة، ليتحول جيشها الجديد «شرطة» لفترة، قبل إعادة بنائه بطريقة تقطع أي تواصل مع تاريخها الروسي والإيراني. وهذه هي المؤشرات التي تدل إلى مسارها.

لليوم الخامس على التوالي ما زالت سوريا وجهة المراقبين الساعين إلى فهم ما يجري فيها وفي المنطقة، انطلاقاً من التطورات المتسارعة على ساحتها، بما حملته من المفاجآت نتيجة انهيار النظام بالسرعة التي توقّعها قلائل من الخصوم والحلفاء. وخصوصاً انّه انهيار بدأ من الرأس قبل بلوغه الجيش والمؤسسات والمرافق العامة في الدولة المنهارة. وما تلى فرار رئيسها الدكتور بشار الأسد «بأكثر الطرق أماناً»، كما قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف قبل يومين، في أول تأكيد حكومي روسي أنّه بات في ضيافة موسكو من دون اي تفاصيل سوى الإشارة المريبة إلى حصوله على حق «اللجوء الإنساني» لا «السياسي»، في انتظار فهم الظروف التي أدّت إلى هذه الخطوة المصنّفة بعناية وما لها من تداعيات يمكن ان تفتح معها الأبواب إلى البحث في ما قال به القانون الدولي لاحقاً إن تقرّرت ملاحقته أمام المحكمة الجنائية الدولية.

 

على هذه الخلفيات، تتسارع المشاورات على اكثر من مستوى عربي ودولي من أجل استيعاب المرحلة واستباق الخطوات الغامضة المتوقعة نتيجة الإجراءات المتلاحقة على اكثر من مستوى سياسي وديبلوماسي وعسكري وأمني، ولا سيما منها تلك التي رافقت تشكيل الحكومة الجديدة وما سبقها، في مقابل الإجراءات التي توحي بإجراء عملية تسليم وتسلّم على المستوى الرسمي بين حكومتين، وكأنّ ذلك أمراً طبيعياً يجري عند أي تغيير حكومي. وهو أمر أوحى ببعض الملاحظات السطحية والسريعة التي لا بدّ منها، وخصوصاً ما يتعلّق بالمفاجأة التي حملتها التشكيلة الجديدة من «حكومة الإنقاذ» التي ضمّت 12 وزيراً تفتقر إلى عدد من الوزارات التقليدية التي لا تخلو منها حكومة في العالم في غياب وزيرين للدفاع والخارجية، وكأنّ هاتين الحقيبتين السياديتين ليستا من مهمّات هذه الحكومة المكلّفة بها حتى مطلع آذار المقبل.

وفي معزل عن مجموعة المؤشرات التي يمكن البحث فيها، فقد توقفت مراجع سياسية وديبلوماسية أمام بعض المستجدات، ولا سيما منها العمليات الإسرائيلية العسكرية الواسعة النادرة دولياً منذ الحرب العالمية الثانية، ولم تقم بها إسرائيل في تاريخ حروبها مع دول الجوار العربية، عندما شنّت في رزمة واحدة 480 غارة في 48 ساعة شملت مختلف المنشآت والتجهيزات العسكرية التابعة للجيش السوري الذي تمّ تحييده في الحرب الأخيرة، إلى درجة لم يكن يتوقعها أحد، اياً كانت المبررات اللوجستية، وما اصابه من إنهاك نتيجة الحروب التي خاضها منذ 13 عاماً في الداخل السوري، من دون ان يكون له اي عملية خارج حدود الدولة الجغرافية، ولم يشكّل خطراً للحظة على اي دولة جارة، وخصوصاً اسرائيل، وهي التي لاحقته في اراضيه في السنوات الأخيرة ومطاردتها لمراكز ومواقع الحرس الثوري الإيراني ومستشاريه وقنصليته، عدا عن مراكز «حزب الله» وقادته وشخصيات فلسطينية والمنشآت العلمية للجيش.

 

وقبل أن تقرأ المراجع السياسية والديبلوماسية خلفيات الهجمة الاسرائيلية غير المسبوقة، فقد توقفت عند الإحصاء شبه الرسمي الذي قدّمه أول أمس المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، الذي كشف عن اسم العملية «سهم الباشان» بما تعنيه من اشارة توراتياً إلى «المملكة المحكي عنها في التوراة والكتاب المقدس التي تمتد من جلعاد في الأردن حتى جبل الشيخ في سوريا»، في اشارة واضحة إلى مسرح العملية الجغرافي التي شملها الاجتياح الاسرائيلي لما كان يُسمّى بالمنطقة العازلة ومحيطها وفق اتفاق وقف الحرب العام 1974، بالاضافة إلى اهدافها التي طاولت في فترة قياسية ما سمّاه «مخزونات أسلحة استراتيجية في سوريا خشية سقوطها بيد عناصر إرهابية».

وإلى هذه الملاحظات، فقد توقفت المراجع أمام مشاركة مختلف القوات البرية والبحرية والجوية العدوة في العملية، ومن مصادر عدة توزعت بين أراضيها ومياه المتوسط ومن الجو، بما أوحى بوجود قرار كبير متوافق عليه دولياً بتدمير اسلحة الجيش السوري كافة، عدا عن المراكز المرتبطة بالجمارك والاستخبارات العسكرية والمدنية الخاصة بالنظام وعلاقاته الدولية بالإضافة إلى القوتين البحرية والجوية، بطريقة أنهت وجودها في عشرات المطارات والموانئ والمراكز على الأراضي السورية كافة، سواء تلك التي كانت مع النظام او التي سيطرت عليها وحدات الثورة على اشكالها.

 

وإزاء هذه النتيجة المذهلة، لم تتردّد هذه المراجع لتقول انّ اسرائيل قصدت بلا شك تجريد قادة الثورة وجيشها الّا من سلاحهم الفردي وبعض الرشاشات الثقيلة والقاذفات المحدودة النوعية وتحويلها «شرطة داخلية» لا تقوى سوى على مواطنيها وإدارة عمليات محدودة في الداخل، وهي عملية تعوق قيام الدولة القادرة والفاعلة متى انتهت من تركيبتها الادارية والسياسية بعد الحكومية.

وانطلاقاً من هذه المعطيات، فقد تعددت السيناريوهات التي تحاكي نتائج العملية الإسرائيلية. فقالت إحداها انّه كان ضرورياً إنهاء مصادر القلق من اي سلاح روسي يمتلكه الجيش، قبل ان يصير في تصرف الثورة. وانّ لذلك تفسيراً وحيداً يهدف إلى بناء «جيش غربي» متى تقرّر ذلك. وخصوصاً إن بقي هذا الملف بيد السلطات التركية التي تتفاعل مع القادة الإنقلابيين بقوة لافتة قد تكون حصرية. ومردّ ذلك إلى ما عبّرت عنه الادارة الاميركية من قلق تجاه ما هو موجود من القدرات الروسية القتالية، عند سعيها إلى تحديد كمية الأسلحة التي تمكنت روسيا من أخذها معها عندما انسحبت قواتها بعد تقدّم «هيئة تحرير الشام». عدا عن خشيتها من وقوع بعضها من أنواع مختلفة بيد جهات قد تستخدمها ضدّ القواعد الأميركية المتعددة الاختصاص بما فيها صواريخ سكود وكروز، وأرض – بحر، وأرض – جو، وأرض – أرض، وطائرات مسيّرة من دون طيار، وطائرات مقاتلة ومروحيات هجومية، ورادارات، ودبابات.

عند هذه الخلاصات تلاقت المصالح الاسرائيلية مع الاميركية التي لم ترفض ما حصل، على الرغم من مخاوفها مما لا تريده من بعض ما سمّته «أفعالاً تعرقل السوريين»، من دون ان تلمح إلى الخرق الكبير للمنطقة العازلة القائمة منذ العام 1974 في اعقاب «حرب الغفران» عام 1973، والذي لم يلق إدانة سوى من الامم المتحدة، قبل ان تصدر بيانات عربية خجولة من أكثر من عاصمة لم تؤثر في صمتها تجاه ما يجري، بغض النظر عمّا هو محتمل من خطوات مرتقبة في الداخل السوري لا يستطيع احد ترقبها من اليوم.