طرح إعلان وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن احتمال انطلاق العملية الانتقالية في سوريا خلال أسابيع قليلة أكثر من علامة استفهام حول دقة هذا الكلام ومدى واقعيته وإمكان ترجمته على أرض الواقع.
ما صرّح به كيري أعقبه مباشرة ردّ ايرانيّ رسميّ يؤكّد وجوب وأحقية ترشّح الرئيس السوري بشار الأسد الى الانتخابات الرئاسية المقبلة، ثم جاء التعليق الروسي على لسان نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف بأنْ لا اتفاق حتى اليوم في محادثات فيينا على عدم مشاركة الأسد في المرحلة الانتقالية.
تلك المعطيات والمواقف الرسمية تُثبت بما لا يدع مجالاً للشك، أنّ ما يجرى في فيينا أكبر وأعمق من مجرّد التقاط الصور التذكارية، فما يُحاك في العاصمة النمساوية جديّ بحيث تتمّ مقاربة كلّ المسائل العالقة، لكن هذا لا يعني أنّ الوصول الى نتائج حاسمة سيتطلّب فقط أسابيع قليلة كما أشار الى ذلك كيري، بل من الممكن أن تظهر ملامح هذه المرحلة بدءاً من الربيع المقبل.
لكنّ السؤال الذي يُطرح اليوم: كيف وصلنا الى هذه المرحلة الحاسمة؟
منذ أشهر قليلة كانت الأمور في سوريا معقّدة، لا أفق ولا أمل لأيّ معالجة سياسية أو حتى عسكرية. لكن بدا واضحاً أمام الأسرة الدولية، تقدّم المنظمات المتطرفة على الأراضي السورية، وأنّ النظام السوري على رغم كلّ الدعم الايراني عن طريق «الحرس الثوري» و«حزب الله» والميليشيات العراقية والأفغانية، لم ولن يستطيع منع هذا التمددّ والحدّ منه.
في الوقت نفسه كان العالم بأسره، وفي طليعته الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية، يمانع بنحو قاطع إنشاء أيّ امبراطورية أو دول عظمى في منطقة الشرق الأوسط حماية لمصالحه، ما يَعني منع إيران من السيطرة على هذه المنطقة، وإنهاء ما يُسمى الهلال الشيعي الذي كان الملك الأردني عبدالله الثاني أوّل مَن حذّر منه في كانون الأول 2004 عقب الاطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين.
وفق المعطيات المتوافرة، فإنّ أميركا والدول الأوروبية، وعلى رغم اقتناعها الكامل بضرورة وضع حدٍّ لتمدّد «داعش»، فإنها لا تودّ خوض غمار أيّ معركة برّية أو عسكرية تعيد الى الأذهان ما حدث في العراق، ومن ثمّ لا تودّ الاطاحة بالأسد قبل ايجاد البديل الفعلي!
انبرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى هذه المهمة، أولاً لحماية قواعده البحرية في طرطوس واللاذقية، ومن ثمّ الدخول لاعباً أساسياً في منطقة الشرق الأوسط، من خلال الجلوس على طاولة المفاوضات.
أما بالنسبة الى الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية، فإنّ التدخل الروسي سيعفيها من التدخل العسكري المباشر، ومن ثمّ ينهي ويضعف الدور الايراني في سوريا، وهو المطلب العربي والخليجي تحديداً لتسهيل العملية السياسية في دمشق، كلّ ذلك بشرط تمويل الحملة العسكرية من خارج الخزينة الروسية، وهو ما حصل!
ملامح المرحلة المقبلة
اليوم، وصلت الأمور الى النقطة الأهم في المفاوضات التي تجرى بين موسكو وواشنطن في الدرجة الأولى، تشاركهما الرياض وطهران وباريس في بعض التفاصيل. بحيث يجرى الحديث عن مرحلة انتقالية لمدة سنة ونصف سنة، يتمّ خلالها تأليف حكومة انتقالية تترأسها شخصية سنّية، وتضمّ كلّ الأطياف السورية،
ومن ثمّ التحضير لانتخابات مجلس الشعب، ومن بعدها صوغ دستور جديد للبلاد، يؤسّس لجمهورية برلمانية تتوزع فيها الرئاسات الثلاث طائفياً على الطريقة العراقية، بحيث يكون رئيس الجمهورية من الأقليات – الغرب يتمنّاه مسيحياً، والإيرانيون يفضلونه علوياً، حكومة تضمّ كلّ الأطراف السورية، ترأسها شخصية سنّية، ويكون بين يديها السلطات الفعلية، ورئيس مجلس الشعب من الأقليات (علوي أو مسيحي) بحسب الاتفاق النهائي على موقع رئاسة الجمهورية.
أما على المستوى الكردي، وفي حال لم تتمّ الموافقة على إقليم كردي مستقلّ، وهو ما تعارضه تركيا تماماً، فمن المتوقع أن يتمّ اعطاء الحقّ للأكراد بتولّي بعض الحقائب الوزارية الأساسية، ومراكز حسّاسة في المؤسسات الأمنية والعسكرية والادارية الرسمية، لضمان موافقتهم على النظام السياسي لـ«سوريا الجديدة».
يبقى مصير الاسد معلّقاً على نتائج المفاوضات النهائية، لكن في نهاية المطاف، يبدو أنّ بقاءه ستة أشهر خلال المرحلة الانتقالية، سيكون أفضل ما يمكن توقعه!