سقط نظام البعث في سوريا، لكن في لبنان مَن لم يصدّق أن هذا النظام سقط وأن هناك سلطة جديدة قامت، بدليل أن إعلام الممانعة، ولا سيّما الإذاعي منه والتلفزيوني، ما زال يستخدم مصطلح “الجماعات المسلّحة” في إشارة إلى القوى التي تسلّمت السلطة.
ما هذا الإنكار؟ وما هذه المكابرة؟
حتى الجمهورية الإسلامية الإيرانية اعترفت بهذا التحوّل، فكيف لإحدى أذرعها في لبنان ألّا تعترف بذلك؟
الموضوع لم يعد مجرّد إنكار ومكابرة، بل من شأنه أن يتسبب في أزمة بين لبنان والسلطات التي ستقوم في سوريا. هنا يُطرَح سؤال مركزي: لماذا يكون لبنان مضطراً أن “يشتري مشكلاً” مع السلطات السورية الجديدة؟ كان لبنان يشكو دائماً من تدخل النظام السوري المخلوع في الشأن اللبناني، ما كان يشكو منه، لماذا يمارسه في حق السوريين؟ لماذا لا يدع السوريين يهتمّون بشؤونهم؟ لماذا لا يطبِّق معادلة “سوريا في سوريا، ولبنان في لبنان”؟
إن إشهار العداء للسلطات السورية الجديدة، سيرتِّب أعباء على لبنان هو في غنى عنها، فماذا لو طالبت السلطات السورية الجديدة أن يسلِّم لبنان مطلوبين من النظام السوري المخلوع، ومَن كان يتعامل معهم من اللبنانيين، والذين ثبت تورّطهم بجرائم هزّت لبنان؟
ما نطرحه ليس من باب الفرضيات النظرية، بل له سوابق، ألم يلاحق نظام البعث معارضين سوريين في لبنان، وأقدم على اغتيالهم وتصفيتهم؟ ولعلّ العيسمي الذي اختفى في مدينة عاليه هو أكبر دليل على ذلك.
قبل فوات الأوان، دعوا سوريا وشأنها، فمع سقوط نظام البعث، سقطت معه معادلات “وحدة الساحات” و “تلازم المسارين اللبناني والسوري”.
مجدداً، استفيقوا قبل فوات الأوان.
فقط ليتذكّر الممانعون، ما عاناه شركاؤهم في الوطن من بطش النظام السوري، والشهود كثر: من زحلة إلى الأشرفية، إلى طربلس، التاريخ لا يمكن محوه، وتعديل المصطلحات والإصرار على تسمية السلطة الجديدة في سوريا بأنها “جماعات مسلّحة”، لا يغيّران في واقع الأمر شيئاً.