IMLebanon

الضرائبُ الجديدة… مَن سيغطيها؟

 

يبدو واضحاً أنّ السياسيين المدعوين إلى لقاء الإثنين في القصر الجمهوري، أمامهم مَهمَّة محددَّة: إمرار «القرارات الموجِعة» «عَلى السكت». أي إنّ وظيفتهم إسكات الاعتراضات التي ربما تنشأ في الشارع عن فئات معيّنة لم تعُد قادرة على التحمُّل. وسيتولّى كلُّ زعيمٍ منعَ جماعتِهِ من أن تقول «آخ». وعلى الأرجح، كلُّ السياسيين قادرون على القيام بذلك بسهولة. فالتجارب أثبتت أن الناس في لبنان مسلوبو الإرادة تماماً، وهم يخضعون لزعمائهم السياسيين والطائفيين والمذهبيين.

 

ليست هناك انتخابات نيابية قريبة. لذلك، يفكر الزعماء في أنهم اليوم قادرون على التجرّؤ وتوجيه ضربةٍ قاسية للناس. وإلى أن تأتي الانتخابات المقبلة عام 2022، لن يتذكّر أحد قرارات 2019 الموجعة. وللتذكير، قبل عامين، أغرق الزعماء الدولة في مزيد من العجز والفساد لإرضاء المحاسيب على أبواب انتخابات تأجلت مراراً.

 

وتكفي رشوة الناخبين بإعطاء موظفي القطاع العام كلّه، سلسلة الرتب والرواتب على رغم التحذيرات القاسية التي أصدرتها المؤسسات الدولية المعنية. وبدلاً من الندم على هذه الخطيئة، وظّف الطاقم السياسي نفسه الآلاف (العدد ملتبس، ويتردّد أنهم ما بين 5 آلاف و12 ألفاً) في وظائف عامة غير محدّدة أحياناً، ما ساهم في تقريب الانهيار المالي.

 

وعلى رغم ذلك، وخلافاً لتحذيرات «سيدر»، جاءت موازنة 2019 بعيدة تماماً عن نهج الإصلاح: فقط «لعبة» أرقام خادعة لا تنطلي على الجهات المانحة ولا الأسواق ولا مؤسسات التصنيف، مرفقة بوعدٍ جديد بالإصلاح في موازنة 2020. وهذا الوعد يضاف إلى سجلّ طويل جداً من الوعود التي بدأت بمؤتمر «باريس1» عام 2001 واستمرت بلا تنفيذ مع «باريس 2» و«باريس 3»، وصولاً إلى «سيدر».

 

الآن، كل ما يريده الطاقم السياسي هو تقديم إثباتٍ جديد يُقْنِع الجهات المانحة بأنه فعلاً سيسلك الطريق إلى ضبط العجز والتزام نهج الإصلاح. وعلى هذا الأساس، سيطالب بالمساعدات الدولية الموعودة، وفي شكل عاجل، لأنّ لبنان لا يستطيع الصمود أكثر من دونها.

 

ولكن، لم تظهر من البنود المرشحة للنقاش في لقاء الإثنين ما يوحي أنّ هناك تغييراً في النهج. فقط هناك خطوات أخرى من النوع الذي تمّ اتخاذه في موازنة 2019، مع تشدّد إضافي. وفي الترجمة، لا تبدو ملامح الإصلاح في المواد التي ستوضع على الطاولة، بل ملامح الإجراءات الموجعة للناس دون سواهم.

 

في التفاصيل، ما خشي المسؤولون إقرارَه في موازنة 2019 سيتجرّأون عليه في 2020. وعلى الأرجح، ابتلع الناس أول جرعة موجعة تمهيداً لتقبّل الجرعة الثانية، وهي: رفع سعر صفيحة البنزين 5 آلاف ليرة، زيادة سعر فاتورة الكهرباء، زيادة الضريبة على الودائع المصرفية، زيادة الـTVA إلى 15% والعودة إلى البحث في رواتب المتقاعدين وسوى ذلك.

 

وهذا يعني أنّ اللبنانيين سيدفعون ثمن تقليص أرقام العجز، من لقمة عيشهم. وإذا أخذ كل زعيمٍ على عاتقه «إسكات جماعتِه»، فمَن سيعترض في الشارع بعدما تمَّ التواطؤ على ما سُمّي ذات يوم «الحراك المدني»، وجرى خرقُه من الداخل وضربه وإنهاء مفاعيله؟

 

بعيداً من الشعارات المضلّلة، سيكون رهان 2 أيلول هو: هل يبحث في مكامن الفساد الحقيقي، بدل جعل المواطن كبش المحرقة؟ وهذه المكامن معروفة في كل مصالح الدولة وأجهزتها ومؤسساتها، وفي التلزيمات والمناقصات والتعيينات، وفي الأملاك البحرية والنهرية وإيجارات المباني الرسمية وسوى ذلك الكثير.

 

هل يبحث مثلاً في الصيغة الآمنة لإدارة قطاع الكهرباء الذي استنزف حتى اليوم 25 مليار دولار ويبقى فاشلاً؟ وهل يحيى دور أجهزة الرقابة والمحاسبة والقضاء المشلول لتقوم بدورها في ضبط الفساد وإصلاح الخلل؟ وإذا لم يتم ذلك، فعن أيّ إصلاح يتحدثون؟ وأيّ خديعة جديدة يريدون من الجهات المانحة والأسواق والمؤسسات العالمية أن تقتنع بها؟

 

المعنيون بالملف لا يُبدون تفاؤلاً حقيقياً من لقاء الإثنين لأنّ ما يرشح من بنود ونقاط واتجاهات للبحث فيه لا توحي بتقدّم حقيقي، بل بمزيد من المراوغة لدى غالبية القوى السياسية والرغبة في كسب الوقت. وسيكون مؤذياً جداً للناس أن يتجه البلد إلى مزيد من الانهيار على رغم أنهم تحمّلوا الإجراءات الموجعة التي ربما ستدفع إلى مزيد من الاضطراب الاجتماعي والتضخم والبطالة والهجرة والركود.

 

لذلك، يقوم بعض المدعوين إلى بعبدا بدراسة متأنّية لمسألة المشاركة في هذا اللقاء. فإذا كان النقاش سيبقى ضمن دائرة المحسوبيات وتقاسم الحصص بين النافذين، على حساب «الأكثر ضعفاً»، فلماذا يشارك الضعفاء ويمنحون النافذين براءة ذمّة مجانية تسمح لهم بمزيد من التجاوزات؟

 

وفي المبدأ، يميل البعض إلى عدم المشاركة. فهذا أفضل له سياسياً وشعبياً، لكنّ الضغوط التي يمارسها المعنيون باللقاء كبيرة. وهم يريدون الإجماع- وليس الأكثرية فقط- في التوصيات المنتظرة، بحيث لا يبقى صوت واحد مغرّداً خارج السرب. وهذا ما يضع المترددين في موقفٍ حَرِج.

 

يمكن في هذا السياق النظر إلى مواقف بعض القوى الميّالة إلى الاعتراض كـ«القوات اللبنانية» التي تتعرض للحصار في التعيينات، وحزب الكتائب الموجود في صفّ المعارضة من خارج السلطة، وإلى حدّ ما «المردة»، وجهات أخرى. فمشاركة هذه القوى في التوصيات المرتقبة لن تكون أكثر من «البصم على بياض».

 

طبعاً، إذا شاركت هذه القوى الاعتراضية في لقاء الإثنين، فإنما ستفعل ذلك «كُرْمى لِعَينَي» رئيس الجمهورية وحرصاً منها على الفصل بينه وبين الوزير جبران باسيل. لكن «القوات» ترى أنّ الطعنة التي تلقَّتها في المجلس الدستوري «بتواطؤ جماعي» مرشحة للتكرار. وعبارة الدكتور سمير جعجع «قوم بوس تريز» فيها شكوى مكشوفة من تناغم عون وباسيل.

 

ولا تريد «ماكينة السلطة» في الوقت الحاضر إلا اكتساب سَنةٍ إضافية من المراوحة، لعل الحلّ يأتي من مكانٍ ما: إما أن يتحنَّن علينا العرب والأميركيون والفرنسيون ويمنعوا سقوطنا، وإما أن تنضج التسويات الكبرى في الشرق الأوسط، وإما أن يبدأ حفر آبار النفط والغاز بالخروج من البحر…

 

ولكن، للتذكير فقط، لا شيءَ مجانياً: لا الحَنان العربي والغربي، ولا التسويات الكبرى… ولا حتى «امتياز» استثمار النفط والغاز!