بعد خمسة أشهر على انطلاق الانتفاضة الشعبية اللبنانية، يتأكد المنتفضون من ثابتتين أساسيتين:
الاولى، مدى عمق وتجذر نظام المحاصصة الطائفية المذهبية، وكيف تحول الى حصنٍ حصين لقادة تلك الطوائف والمذاهب، الذين بحُكمِ تسيّدهم عليها يتمكنون من قيادتها في الاتجاه الذي يريدون، تنظيماً لصراعٍ داخلي، او الحاقاً بطرف خارجي. وهؤلاء القادة أنفسهم يمسكون كمجلس إدارة بشركة النظام اياه، يحفظون استمراره بما يلبي مصالحهم، وما الاتفاق الفعلي على تكليف وتأليف حكومة حسان دياب ثم خوض البحار من اجل تأمين جلسة اعطائها الثقة، الا دليل على مدى تماسك النظام في مواجهته مع ما يتهدد مصالحه العميقة.
الثابتة الثانية، ان القيمة الفعلية للانتفاضة هي في شموليتها العابرة للطوائف والمناطق وللشللية والحزبية الضيقة، وأنها اكبر من رد فعل محدود في زمان ومكان، وهي صرخة شعبية مفتوحة لا ينظمها مهندس صوت ولا يرسم مخرجُ خطواتها.
لم تفعل حكومة دياب الا ترسيخ القناعة بالثابتتين المذكورتين، وأضافت الى الاولى بعداً آخر ليس غريباً عن محاصصة المذاهب وميلها الطبيعي الى الاستقواء بالأجنبي على بني جنسها. فازاء ارتباط ولي أمر الحكومة بمرجعيته الايرانية، فقدت الحكومة على الفور مناعتها الصحية والمالية، فوباء الكورونا بات وجهة نظر سياسية والعلاقة مع صندوق النقد نقطة تفاوض على جدول الاعمال الاميركي الإيراني.
ليست التداعيات هذه مفاجئة، بل هي في صلب افرازات النظام الذي تواجهه الانتفاضة. فالمحاصصة وليس الميثاقية هي ما تنتج أنظمة الاستقواء والاستتباع وضمناً توزيع المغانم وتكريس الفساد. وقبل التحاق قيادات شيعية بإيران الخميني، واستقوائها بها، جربت قيادات من طوائف اُخرى الامر نفسه والتحقت بدول وانظمة، والنتيجة كانت كارثية عليها وعلى غيرها من ابناء الطائفة والبلد.
أهمية الانتفاضة الشاملة انها كشفت وتكشف كل يوم ضخامة الخصم الذي تتعارك معه، ما يقودها تلقائياً الى الحرص على توفير كل جهد في معركة تغيير لا تزال في بدايتها.
لكل بلد ظروفه، لكن ظروف لبنان اكثر تعقيداً من بلدان عربية أخرى، ما يجعل من محاولات اللقاء للبحث والتفكير وجمع الجهود، كما حصل في لقاءي الأحد الماضي، في الحمرا وفرن الشباك، إسهامات مفيدة في حركة مداها امتلاء الشوارع برافضي سلطة لم تعد تقنع الا المنتفعين من فسادها.