IMLebanon

القوى العظمى عشيّة إرساء نظام عالمي جديد: الشرق الأوسط وإسرائيل والهواجس المصيريّة!

 

 

 

ما يحدث الآن في الشرق الأوسط هو المدخل لإرساء نظام عالمي جديد تتزعّمه الولايات المتحدة وتشارك فيه كل من روسيا والصين والاتحاد الأوروبي. وجاءت حرب روسيا على أوكرانيا لتزيد من وتيرة هذا التوجّه وهو: إرساء معادلة جديدة بين القوى الكبرى الأربع، لا سيما حدود ونفوذ ومصالح وتواجد كل من هذه القوى على ساحة الشرق الأوسط باعتبارها الساحة الأكثر إلتهاباً وأهميّة وخطورة في تحديد منطلقات واستراتيجيّات القوى الأربع الكبرى. وما نشهده الآن من زيارات جرت وستجري في المنطقة، يرعاها الرئيس الأميركي بايدن، الى اسرائيل والضفة والمملكة العربيّة السعوديّة وما يتبعها من زيارة الرئيس بوتين الى طهران واجتماعه بالرئيسين الايراني ابراهيم رئيسي والتركي رجب اردوغان، في تبادل أدوار على خارطة الشرق الأوسط. هذا يطرح مصير دول المنطقة وارتباط ذلك بهواجسها التاريخيّة وهو وضع ينطبق أكثر ما ينطبق على دولة اسرائيل في كيانها ووجودها ومصيرها كدولة عادية من دول المنطقة وليست غريبة عنها.

 

ماذا يعني ذلك؟

 

1 – ان المهمة الأولى للرئيس الأميركي في زيارته للمنطقة هي تأمين كافة العوامل لتأكيد أمن دولة اسرائيل، وتحقيقاً لهذا الهدف سيسعى الرئيس بايدن لخلق كافة الظروف المؤاتية لتحقيق تفاهم عربي- اسرائيلي وتطبيع العلاقات بين الدولة العبرية والدول العربيّة. وهو ما ينعكس إيجاباً على وضعه الداخلي في أميركيا.

 

2 – سيعمل الرئيس بايدن على ارساء أسس أكثر متانة للعلاقات الأميركيّة – السعوديّة. فهو يدرك الآن بشكل أفضل، وبظروف أكثر دقّة، أهميّة المملكة العربية السعوديّة على مختلف المستويات: العربيّة والإقليميّة والنفطيّة والاسلاميّة. وإذا كان بوتين يهدد المانيا بوقف تدفق الغاز، فإنّ ما تصدّره السعوديّة للصين يجعل بكين تعيد حساباتها لدى بحث أمور المنطقة!

 

3 – موقع لبنان في رحلة الرئيس الأميركي يرتبط بعامل اقليمي/متوسطي هو دور فرنسا من جانب ووضع المسيحيين من جانب آخر، وفي كلتا الحالتين فإنّ الرئيس بايدن الكاثوليكي يعرف تماماً وسمع أكثر من مرّة وعلى لسان أكثر من مندوب، رأي البابا فرنسيس في مصير لبنان: الانسان الدولة والكيان. ولذا، فهو سيلتزم حتماً وحكماً بهذا الرأي في كل طرح يتعلق بلبنان: مع اسرائيل، مع السعوديّة، ومع الدول العربيّة.

 

4 – الأمر الممّيز في الزيارة سيتناول موضوع العراق المدعو والملبّي للدعوة الى اجتماع جدّة. وتحرص أميركا على البقاء في العراق سياسياً وعسكرياً لأن الكثيرين يجهلون أو يتجاهلون كون العراق مصلحة استراتيجيّة اميركيّة لا يمكن ولا ينبغي التخلي عنها لأنّ العراق في النهاية، وبحسب تقارير الخبراء في النفط، يمتلك أغنى وأغزر ثروة نفطيّة في العالم وهي تصل بحسب التقارير الى 380 مليار برميل من النفط وعلى عمق مناسب وعلى نوعيّة جيّدة. لذا يشبّه البعض العراق بأنّه الولاية الخمسون الجديدة المضافة الى الولايات المتحدة المعروفة.

 

5 – أمّا ايران، فستواجه بلاءين: لا لامتلاك القنبلة النويّة، ولا لتهديد أمن واستغلال واستقرار دول الشرق الأدنى، من العراق وصولاً الى اليمن مروراً بلبنان وسوريا ودول الجزيرة العربيّة. وستأخذ بعين الاهتمام والاعتبار أن ايران تقوم حالياً بالتنسيق مع روسيا لمواجهة السياسة الأميركية في المنطقة، والقمّة التي ستعقد في 29 الجاري، وفي طهران بالذات بين الرئيس بوتين والرئيسين رجب طيب اردوغان وابراهيم رئيسي، هي بمثابة محاولة لمؤتمر اقليمي – روسي يكون في مواجهة المؤتمر الاقليمي – العربي الأميركي في جدّة. علماً ان الرئيس التركي على استعداد للعب كل الأوراق وفي كل الاتجاهات لأن المهم عنده هو الحضور بمعزل عن مستلزمات وأبعاد هذا الحضور!

 

6 – في النهاية، كما في البداية، وما بينهما، تبقى اسرائيل هي الألف والياء في السياسة الأميركية، بل وفي الاستراتيجيّة الأميركيّة. ويدرك الرئيس بايدن ان مقاربة موضوع اسرائيل ليس مسألة عادية وسهلة، بل هو موضوع صعب ومعقّد لأنه، في كل جوانبه وأبعاده يقوم على هواجس مصيريّة تاريخيّة، ومثل هذه الهواجس طبعت تاريخ اسرائيل منذ قيامها الى الآن.. والى الغد. وإنّه من المفيد التذكير ببعض خيارات اسرائيل التاريخيّة لكي نتبيّن مدى الصعوبة في الوصول الى حلول ممكنة ونهائيّة بالنسبة للدولة العبريّة. ان قراءة خيارات اسرائيل والتأمل فيها، على ضوء الواقعيّة التاريخيّة، يكشف للقارئ عن الخلفيّات الرؤيويّة واللاهوتيّة والسياسيّة والدينيّة لشعب اسرائيل:

 

• أوّلها: ان اختيار نجمة داود علَماً ورمزاً للاسرائيليين، وللشعب اليهودي لم يكن صدفة، فالملك داود، دون غيره من ملوك اسرائيل حقّق ثلاثة:

 

= الانتصار الفعلي على جوليات.

 

= القيام بتوحيد أسباط اسرائيل الاثني عشر.

 

= اتخاذ أورشليم مركزاً للجماعة اليهوديّة.

 

• ثانيها: خيار فلسطين كوطن لليهود وهو خيار ذو بعد تاريخي نبوي يلتقي فيه ثلاثة: الجغرافية والدين والتاريخ.

 

• ثالثها: خيار المدى تأميناً للمساحة الأوسع. من فلسطين التاريخيّة الى فلسطين التقسيم والاضافات وتجاوز قرارت الأمم المتحدّة.

 

• رابعها: خيار دولة آمنة، ولا يمكن ان تكون كذلك كما يفتي هنري كيسنجر: إلّا إذا كانت لديها حدود مرسَّمة يمكن الدفاع عنها، من هنا التمسّك بالجولان!

 

• خامسها: خيار دولة مسيّجة بحدود فاصلة عن محيطها العربي السني: إقامة حائط فاصل بينها وبين الجوار الجغرافي.

 

• سادسها: خيار دولة غير مهدّدة بالتفوّق الديمغرافي لمن يعيش معها، في حين تبلغ نسبة الولادة لدى النساء اليهوديات الحوامل (1-2) فان معدلها لدى النساء العربيات الحوامل هو (3-7). وهكذا فبالرغم من أن اسرائيل مسلحة بالتفوق النووي فإنّها بالمقابل مهدّدة بالامتصاص الديمغرافي.

 

• سابعها: خيار دولة غير غريبة عن محيطها البشري وبالتالي تحويلها من جسم غريب عن المنطقة الى جسم طبيعي في المنطقة.

 

• ثامنها: خيار دولة قوميّة يهوديّة عاصمتها القدس كما رأى الرئيس الأميركي السابق ترامب.

 

• تاسعها: خيار العمل للاعودة اللاجئين الفلسطينيين وتوطينهم في بلدان اللجوء. ومن هنا جاء حرف الجر في قرار العودة (194) فصار: قرار بالعودة وليس قرار العودة. وهذه الباء ضربت حق العودة في الصميم!

 

• عاشرها: خيار إقامة الدويلات الاقلوية بدءاً بسوريا وضرب التفوّق العربي – السني بتهجير أكبر عدد منهم.

 

أخيراً، دولة الخيار المفروض أي حرب اللاخيار حين تشعر اسرائيل بوجودها المهدّد تعمد الى استعمال سلاحها النووّي وتكون عندئذٍ أمام خيار اللاخيار!

 

في الخلاصة، يواجه الرئيس بايدن تحدّيات كثيرة وكبيرة في المنطقة، سيسعى للتغلب عليها، ومن المؤكد انه سيصل الى نتائج ملموسة ولكنها ليست كاملة. إنه سيرسي بالتأكيد، أسساً سياسيّة اميركية جديدة تأخذ بالاعتبار أوضاع المنطقة من حيث دولها وشعوبها. وما يعترضها من تحديات ومشاكل ومصاعب في المرحلة الراهنة. ان الولايات المتحدة قادرة على التعاون مع دول المنطقة بصراحة وايجابية، وعلى رأسها المملكة العربيّة السعوديّة. ولكنّها غير قادرة بالتأكيد على حلّ كل مشاكل دول المنطقة وشعوبها. ان الرئيس بايدن سيقدّم النموذج الحي على مدى اهتمام بلاده بشعوب المنطقة ومدى استعدادها للعمل في كل المجالات لايصال هذه الشعوب الى ما يحقق أمنها واستقرارها في حدود المتاح والممكن.