Site icon IMLebanon

السنة الجديدة لا توحي بالاطمئنان..؟

 

وكأن لم يكن ينقص اللبنانيين إلا أن يدخلوا حلبة الصراع العسكري بين إيران وأميركا وإسرائيل، عبر صواريخ طهران المُودعة في مخازن حزب الله في لبنان.

 

وكأن المشهد اللبناني الأسود الذي طغى على حياة اللبنانيين في العام الماضي، وأوصلهم إلى مهاوي جهنم، بهمّة هذه المنظومة السياسية الفاشلة والعاجزة، لا يكفي لتحميل هذا البلد المزيد من الأخطار في خضم لعبة الأمم المحتدمة حالياً في المنطقة، في الوقت الذي يفتقد فيه اللبناني لقمة العيش، ومئات الألوف من العائلات مشرّدة من منازلها التي دمرها انفجار المرفأ الزلزالي، والبطالة تسابق الكورونا في التفشي والانتشار، والعملة الوطنية في انحدار مستمر، والدولة العلية في حالة شلل، وعالقة بين حكومة مستقيلة وأخرى ما زالت في عالم الغيب، وليس ما يدل على ولادة سريعة أو حتى قريبة لها في ظل الخلافات والمعاندة الحاصلة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف.

 

اللبنانيون، على غير عادتهم، لم يعايدوا بعضهم بالعام الجديد، نظراً لواقع الإحباط والتشاؤم المهيمن على يومياتهم المعيشية والعملية. وما تردد عن سهرات هنا وهناك، لا تعدو أكثر من فقاقيع اجتماعية سطحية، اكتملت صورتها في حفلات إطلاق النار الجنونية التي شهدتها بعض أحياء بيروت وضواحيها، وأوقعت عشرات الإصابات بين المواطنين الأبرياء، وبينهم العديد من الأطفال.

 

كيف يحتفل اللبناني بإطلالة العام الجديد والانهيارات تتوالى في مختلف القطاعات الأساسية، من اقتصادية وصناعية وتجارية ومالية ومصرفية، وفي العديد من المجالات الحيوية وفي مقدمتها الاستشفاء والتعليم والغذاء وشبكة الأمان الاجتماعي، وسقطت أكثرية اللبنانيين تحت خط الفقر، بعدما سُحقت الطبقة الوسطى، وتمّ حجز أموال المودعين في المصارف.

 

تتصاعد معاناة اللبنانيين بين فترة وأخرى مع الإهمال المتمادي من قبل أهل الحكم في تأمين أبسط متطلبات الصمود لذوي الدخل المحدود والطبقات المعوزة، وفي اتخاذ الإجراءات الضرورية لوقف الانحدار المتسارع في مقومات الدولة، وفي البنية الاقتصادية والمعيشية، بعد ارتكابها جريمة عدم سداد استحقاق اليوروبوند، التي عزلت لبنان عن المجتمع المالي الدولي، وأطلقت العنان لتفلت أسعار الدولار، وفقدان الليرة ٨٠ بالمئة من قيمتها النقدية، وأكثر من ذلك من قوتها الشرائية.

 

لم يعد يكفي القول إن المسؤولين يعيشون في كوكب آخر، لأنهم لا يشعرون بما يُعاني ناسهم بسبب الأوضاع المتدهورة في البلد، والتي وصلت إلى حد غير مسبوق. لقد فقد اللبنانيون الأمل بإمكانية إصلاح الأحوال المتأزمة على أيدي المنظومة السلطوية الحالية، الموسومة بأبشع صفات الفساد والفشل والعجز، بعدما منحوا حكامهم أكثر من فرصة لإخراجهم من النفق المظلم الذي أوصلوهم إليه، بدءاً بانتخابات ٢٠١٨، وصولاً إلى الأشهر الأولى من عمر حكومة حسان دياب، حيث ساهم تفشي فيروس كوفيد ١٩، في إخماد موجة الغضب والثورة التي فجّرتها انتفاضة ١٧ تشرين، وإخلاء الطرقات أمام حكومة دياب لإطلاق ورشة الإنقاذ والإصلاح.

 

ولكن صراع ديوك السلطة والمال من جهة، وقلة خبرة المستشارين واصطدامهم مع الوزراء المعنيين، أدى إلى تعثر حكومة دياب في أولى خطواتها، لا سيما في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، فضلاً عن الفشل في تحقيق أي خطوة إصلاحية، والتجاوب مع شروط الدول المانحة لتقديم المساعدات المالية المطلوبة.

 

إزاء كل هذه المآسي التي يعيشها البلد، هل يُلام اللبنانيون إذا لم يحتفلوا، ولم يتفاءلوا بحلول العام الجديد، طالما أن الحكم في غيبوبة، والسلطة عاجزة عن وقف الانحدار المتسارع نحو قعر الهاوية، ولا حكومة قادرة على فرض إجراءات الحد من انتشار الكورونا، وتستسهل دائماً اللجوء إلى القرار الأسهل والقاضي بإقفال البلد، دون مراعاة الطبقات الفقيرة التي تُحصّل لقمة عيشها من عملها اليومي، وتقديم أدنى المساعدات لها، على نحو ما يجري في دول العالم؟

 

مؤشرات السنة الجديدة لا توحي بالاطمئنان للبنانيين، لا أمنياً ولا اقتصادياً ولا حتى معيشياً، فهل تستطيع المنظومة الحاكمة التخلي عن أنانياتها ومصالحها الفئوية، وتضع قطار الإنقاذ والإصلاح على السكة الصحيحة؟