فيما يجهد رئيس الحكومة ووزير خارجيته من خلال اللقاءات الجانبية التي يعقدانها في نيويورك على هامش مشاركتهما في الاجتماعات السنوية للأمم المتحدة، في طرح الأزمة اللبنانية، يتظهر أكثر للجانب اللبناني أن الاهتمام الدولي بلبنان ينحصر بحماية الاستقرار وتحصين الوضع الداخلي ودعم المؤسسات الأمنية والعسكرية، ودعوة القوى المحلية للحفاظ على الأوضاع، ولو في حدها الأدنى، بما أن الأجندات الدولية حافلة بأولويات تشغل المجتمع الدولي وتقض مضاجع الحكومات الغربية، بدءاً من أزمة اللاجئين السوريين وصولاً الى خطر الارهاب والتمدد الأصولي.
وعليه، لا يعوّل مراقبون على أن تحمل لقاءات نيويورك او حتى كلمة لبنان أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة أكثر من التعاطف والتفهم للظروف الاستثنائية التي يمر بها لبنان، ولا سيما من جانب تأثير اللجوء السوري على لبنان او من جانب المخاطر المترتبة على التمدد “الداعشي”.
وإذ يترك للقوى المحلية مسؤولية ادارة الازمة ومقاربة الملفات العالقة ضمن سقف الحفاظ على الاستقرار الداخلي، ينتظر أن تشكل هذه الملفات محور الاهتمام الرسمي اعتبارا من مطلع تشرين الاول المقبل، موعد عودة رئيس الحكومة من نيويورك.
وفي الانتظار، تنشط ماكينة الرئيس نبيه بري و النائب وليد جنبلاط من أجل إنجاز تسوية ترقية الضباط لسحب الأعذار من يد العماد ميشال عون الذي يتمسك بترقية العميد شامل روكز أولا والاتفاق على آلية العمل الحكومية ثانيا قبل ان يرضى بعودة وزيره الى طاولة مجلس الوزراء.
وفي حين تضع بعض القوى عقدة الترقية عند “تيار المستقبل”، وتحديدا عند رئيس الكتلة الرئيس فؤاد السنيورة على خلفية موقفه في حوار الستة في عين التينة نهاية الأسبوع الماضي، تردّ أوساط قريبة من السنيورة برفض هذا الكلام، مشيرة الى انه لم يرفض التسوية المقترحة، لكنه طرح أسئلة تتطلب أجوبة واضحة إنطلاقا من تجارب سابقة لم تفض الى النتائج المتوخاة.
أول هذه الأسئلة يتعلق بالآلية التي سيتم من خلالها إقرار التسوية في مجلس الوزراء ، انطلاقا من مطلب عون الأخذ بموقف مكون او مكونين في الحكومة من أي قرار يتخذ. فإذا رفض احد المكونات الحكومية السير بالترقية، ماذا يكون مصير التسوية؟
ثاني الأسئلة يذهب نحو مدى التزام مبدأ التسوية التي تبدأ موقتة وتتحول لتصبح نهائية. فإذا تم التوافق على تسوية هي أساسا مخالفة للدستور، ما هي الضمانات التي يقدمها الفريق الآخر في الحكم حيال عدم تكرار تسميات مماثلة. علما ان للأوساط المستقبلية المشار اليها تجربة مريرة مع الشركاء في الحكم تمثلت في تعهدات التزموها في الدوحة بعدم التعطيل وعدم الاستقالة، ولكن ماذا كانت النتيجة؟
وعليه، تؤكد هذه الاوساط ان الضمان الوحيد يكمن في العودة الى الدستور والتزام نصوصه. وهذا ينسحب في رأيها ليس فقط على مسألة التوافق على التسوية المتعلقة بترقية روكز وبعض الضباط، وإنما أيضاً على آلية العمل الحكومي التي يفترض ان تكون المدخل لإقرار مثل هذه التسوية. وفي هذا السياق، تتوجه بالسؤال الى معارضي تطبيق الدستور في مقاربة ممارسة مجلس الوزراء لصلاحيات رئيس الجمهورية في ظل الشغور، حول الضغوط التي سيمارسونها من اجل عدم الاصطدام بمكون او مكونين في الحكومة يمكن ان يرفضا التسوية المقترحة. وهذا السؤال ينطلق من موقف نحو عشرة وزراء يمثلون وزراء اللقاء التشاوري وحزب الكتائب في الحكومة، يرفضون ترقية روكز. فهل في مثل هذه الحال يرضخ العماد عون لموقف هذه المكونات ويسقط التسوية؟
تطرح الاوساط مثل هذه الأسئلة لتخلص الى أن أي تسوية لا ترضى بتوافق وطني لا يجوز ان تشكّل استفزازا لفريق ضد آخر، مشيرة الى أن الأهم في أي قرار سيتخذ في أي شأن، هو احترام الدستور حتى لا تنتهي الأمور مطابقة لقول المثل الشائع ” طابخ السم آكله”.