خبر موجع أقرب إلى طعنة في القلب، كان خبر الوفاة الذي نزل على الجسم الصحافي وأصدقاء الإعلامي الزميل ورفيق الدرب منذ نيّف وربع قرن، عرفات حجازي.
لم يكن عرفات حجازي (69 عاماً) ذلك المناضل العريق والمدافع بشراسة عن الحريات طوال نحو أربعة عقود من الزمن فحسب، إنما كان أيضاً المتابع الأبرز لقضايا الزملاء ومشاكلهم عبر مسؤولياته الكثيرة في مجلس نقابة المحررين منذ عهد النقيب ملحم كرم إلى اليوم. وذاك النضال حمله عن استحقاق إلى عضوية لجنة الحريات العامة في اتحاد الصحافيين العرب، أما المتابعة اليومية لمشاكل الزملاء فأوصلته إلى أمانة صندوق نقابة المحررين منذ ثلاث سنوات بعدما أمضى ثلاثين عاماً في عضوية مجلس النقابة.
بدأ عرفات مسيرته المهنية في “تلفزيون لبنان” قبل نحو خمس وأربعين سنة، والتصق اسمه بنشرة أخبار “تلفزيون لبنان” ثم بإدارة تحريرها في “عز” أيام هذا التلفزيون الرسمي، ثم ببرامج سياسية، منها “الملف” و”ما وراء الأخبار”، وأجرى فيها مقابلات عدة بينها مع الرئيس السوري حافظ الأسد والرئيس المصري أنور السادات والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات. وكتب مقالات في عدد من الصحف.
نشأ عرفات حجازي في مسقطه عيتا الجبل من أعمال بنت جبيل ، وتلقى علومه الإبتدائية في القرية قبل أن ينتقل إلى بيروت حيث تابع علومه الثانوية فالجامعية، ودرس العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ونال إجازة فيها، كذلك نال إجازة في علم الإجتماع والفلسفة من جامعة بيروت العربية. وتميز باتقانه العربية أصولاً وإلقاء وقواعد وصرفاً ونحواً، مما دفعه إلى ممارسة تعليمها. وفاجأه يوماً قائد الجيش العماد جان قهوجي لدى زيارة وفد نقابة المحررين له، بكشفه أنه كان أستاذه في اللغة العربية.
وعرفات حجازي كان صاحب موقف على ليونة وديبلوماسية، وهو نشأ في عائلة “أسعدية” الهوى (نسبة إلى تأييدها الرئيس كامل الأسعد)، وخلال عمله كان ملتزماً قضايا الشعوب، ولذلك ربطته صداقة متينة بالزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، ثم تشرّب من فكر السيد موسى الصدر وربطته علاقة وطيدة برئيس حركة “أمل” رئيس مجلس النواب نبيه بري، وتولى منصب المستشار الإعلامي لرئيس المجلس قبل أن ينتقل إلى تلفزيون NBN حيث تسلم مراكز إدارية بارزة، قبل أن يؤسس موقع “الإنتشار” الإلكتروني ويتولى رئاسة تحريره.
“أبو ياسر” الصديق الهادئ الرصين المتـّزن، المليء بالأحاسيس، المحاور اللبق، صاحب الحضور التلفزيوني المميّز والصوت الرنان، رفيق الدرب، الثابت الموقف، الجريء، حامل القضية، وحامل وسام الإستحقاق اللبناني من رتبة ضابط، رحل ليل الأحد – الاثنين. غدره قلبه الرقيق، فأسلم الروح تاركاً وراءه آلاف البرامج التلفزيونية والمقالات، ومئات المواقف الجريئة المعروف بها.
شيع الراحل أمس في مسقطه عيتا الجبل في حضور رسميين ورجال سياسة وفكر وإعلام، وأم المصلين إمام البلدة السيد مرتضى مرتضى.