بعد شهرين، فقط شهران، على عودته الى لبنان، التقيته في مناسبة اجتماعية. كالعادة، تناول الحديث الشؤون والشجون اليومية وتلك المزمنة التي ترخي بأثقالها على اللبنانيين في مختلف نواحي حياتهم. ثم حرص على أن يذهب بالحديث الى الشأن الصحافي.
وركزّ على صحيفة الورق. فأعرب عن «الدهشة» لما تعانيه صحافتنا اللبنانية من أزمات خانقة.
هو محام لبناني بارز في الولايات المتحدة الأميركية. والأصح هو لبناني – أميركي. غادر لبنان بعد إنهاء دراسة الحقوق في إحدى الجامعات اللبنانية المشهود لها بأهمية خريجيها المحامين. وتابع دراساته العليا هناك وافتتح له مكتباً في نيويورك.
قال: صحيح أن أزمة صحيفة الورق ليست ماركة لبنانية مسجّلة فهي أزمة عالمية إذا صحّ التعبير. ولكن بلدان العالم، خصوصاً تلك المصنّفة عالماً أوّل، عرفت كيف تجتازها.
وأضاف بعد تردد: … أمّا أنتم، في لبنان، فلم تعرفوا كيف تتعاملون مع الأزمة، لذلك اتخذت خصوصيتها عندكم، وبلغت ذروتها، لأنّ للصحافة اللبنانية، في المطلق، خصوصيتها حتى من قبل تفاعل الأزمة.
وقال: صحيح أن الصحافة رسالة. ولكنها ليست رسالة في المطلق، فللصحيفة وظيفة لم تعرفوا كيف ترسمون حدودها. (وكان حديث مسهب في دور ووظيفة الصحيفة في زمن ثورة التكنولوجيا، تناول أموراً تفصيلية إضافة الى الأمور المبدئية التي يعرفها الجميع وفي طليعتهم الصحافيون).
وعندما انتهى قيامنا بالواجب الاجتماعي انتقلنا الى أحد المقاهي الكبرى واصطحب معه ما كان في سيارته من صحف لبنانية صادرة في ذلك اليوم. تناول إحداها وقال: تعال نتصفح المقالات في هذه الجريدة. قبل أن ننتقل الى ثانية وثالثة.
بدأنا بالمقال الأوّل… فقال هذا صحافي يعبر عن رأي الحزب (…) وكاتب المقال الثاني يعبّر عن رأي حركة (…) ومقال ثالث يعبّر عن توجه الرئيس (…) والرابع يعبّر عن سياسة التكتل (…) الخ…
والبضعة مقالات في الصحيفة الثانية ينطبق على كلٍَ منها ما انطبق على مقالات الأولى… وهكذا أيضاً في الصحيفة الثالثة.
ومضى يقول إنّ الامر ليس مصادفة… وليس حالاً توصيفية لمقالات اليوم وحسب، بل هي حال ثابتة. فكاتب المقال الذي يعبّر عن رأي فريق أو حزب أو كتلة أو حركة أو تكتل (…) لا يحيد عن أن يكون صوت الطرف الذي يصح فيه القول إنه ينطق بإسمه أكثر مما يصح فيه القول إنه يعرض بموضوعية للحال العامّة في البلد. فمنذ شهرين (وأمام كل أزمة أو قضية أو مسألة) أعرف كيف سيكون المقال. حتى من قبل أن أقرأه، لمجرّد اطلاعي على اسم الكاتب.
قلت: ولكن هذه ظاهرة ليست «ماركة مسجلة» بإسم الصحافيين اللبنانيين، إنما هي عالمية. لم يوافقني الرأي.
واستمر الحوار طويلاً.