Site icon IMLebanon

اعتداء نيس كشف بسالة ابناء القاع

لم تعد تدري فرنسا التي دخلت في دوّامة الإعتداءات الإرهابية عليها، لماذا يقوم الإرهابيون باستهدافها بهذا الشكل المريع، مرتين في السابق، وآخرها الإعتداء الذي طال مدينة نيس مساء الخميس، من دون أن يتمكّن رجال الشرطة المنتشرين بشكل كثيف لحماية أمن وسلامة مواطنيها من درء الخطر أو القضاء على المعتدي قبل قتله لنحو مئة مواطن فرنسي.

وتقول أوساط ديبلوماسية متابعة إنّ فرنسا التي تمّ اختراق أمنها ثلاث مرّات حتى الآن من قبل الإرهابيين، مقارنة بلبنان هذا البلد الصغير بحجمه وإمكاناته، ظهرت مع الأسف، بأنّها ليست فقط غير قادرة على تقديم المبادرات لحلّ العقدة الرئاسية في هذا البلد، بل أيضاً بأنّها ليست كفوءة الى درجة تقديم الدعم أو النصح لجيشه ولأجهزته الأمنية للقضاء على الإرهاب أو الإرهابيين الموجودين في جرود عرسال وبعض المناطق الحدودية.

وانتقدت الاوساط أداء الشرطة الفرنسية مقارنة إيّاه بأداء المواطنين اللبنانيين الذين افتدوا الأهالي خلال تفجيرات القاع الأولى، واستشهد منهم خمسة شبّان شجعان إذ استبسلوا في الدفاع عن أبناء بلدتهم وأرضهم واندفعوا نحو الإنتحاريين من دون التفكير بسلامتهم، فيما اكتفى رجال الشرطة الفرنسيين بالركض وراء الشاحنة التي اقتحمت مكان تواجد المواطنين من دون أن يعترضها أي منهم، أو يفكّرون حتى بإعاقة طريقها تفادياً للكارثة التي وقعت.

وصحيح بأنّ الأجهزة الأمنية الفرنسية ليست هي المذنبة في حصول إعتداء نيس، ولا يُمكن بالتالي لأي رجال أمن في العالم من تفادي وقوع إعتداءات إرهابية، غير أنّه بالإمكان الحدّ من الخسائر قبل وقوعها بحسب الاوساط ومع بدء الهجوم، خصوصاً إذا ما كان البلد متخذاً أقصى درجات التأهّب الأمني، وقد مدّد مهلة حالة الطوارىء الأمنية القصوى الى 26 تمّوز الحالي، لتنهي بهذا التاريخ فترة تسعة أشهر، وبعد اعتداء نيس تمّ تمديدها مجدّداً لفترة ثلاثة أشهر إضافية، الأمر الذي يستدعي المزيد من التنبّه والحذر.

من هنا، فإنّ ما تشهده بعض دول المنطقة ولا سيما لبنان، كما دول الإتحاد الأوروبي ولا سيما فرنسا، بات يستدعي تحرّكاً جديّاً من قبل الإتحاد تجاه الدول الداعمة للإرهاب والتي هي معروفة، ولا توافق بعد على وقف تمويلها له، كما أنّها لا تُنفّذ قرارات الأمم المتحدة المتعلّقة بهذا الموضوع. هذه القرارات التي هدفت منذ أن تمّ اتخاذها الى تجفيف منابع الإرهاب من أجل الحدّ من أعداد الشبّان الأجانب الذين يلتحقون في صفوف المقاتلين جرّاء الإغراءات المادية التي تُقدّم لهم، لا سيما وأنّ عدداً كبيراً منهم لا يمت بصلة بالديانة الإسلامية ولا علاقة له بها لا من قريب أو بعيد.

وفرض اعتداء نيس الأخير، على ما ذكرت الأوساط نفسها، على سائر دول الإتحاد الأوروبي إعادة النظر في سياستها الخارجية، كما في التدابير الأمنية التي تتخذها لمواجهة آفة الإرهاب لا سيما وأنّ جميعها مهدّد في هذه الفترة. ففرنسا التي قرّرت الوقوف الى جانب روسيا في تدخّلها العسكري للقضاء على عناصر تنظيم «داعش» في سوريا، لم تنجح في خطوتها هذه في ردع الإرهاب الذي يطالها، بل على العكس على ما يبدو، فإنّ الإرهابيين يقومون بالإنتقام منها بعد هذا الأمر.

وهنا تكمن الخطورة تقول الاوساط الديبلوماسية، فإذا كانت كلّ دولة تواجه الإرهاب في سوريا، بطرق مختلفة، سوف تدفع ثمن تدخّلها من خلال ردّات الفعل التي تقوم بها التنظيمات الإرهابية، فإنّ نصف دول العالم بات مهدداً من قبلها. علماً أنّ التحالف الدولي الذي يضمّ 60 دولة قام بضربات عسكرية جوية على الإرهابيين في العراق وسوريا لفترة طويلة، من دون أن يحرز أي تقدّم يُذكر، تبعه التدخّل العسكري الروسي والذي ساندته فرنسا بعد أن ضرب الإرهاب باريس مرتين متتاليتين في صحيفة «شارلي أيبدو»، كما في اعتداءات 13 تشرين الثاني الماضي.

ويمكن القول بأنّ مدن العالم ككلّ باتت مفتوحة أمام الإرهابيين إذ لم تتمكّن محاولات القضاء عليهم الى حصرهم في بقعة جغرافية معينة، بل على العكس أدّت مواجهتهم بالطرق العسكرية الى المزيد من انفلاشهم في دول المنطقة، كما في الدول الأوروبية التي ينتمي المقاتلون الأجانب اليها. فحتى الآن أظهرت التحقيقات أنّ كلّ منفذّي الهجومات على فرنسا، هم فرنسيون من أصول عربية. ولعلّ هذا الأمر هو الذي يُعرقل إمكانية القضاء على الإرهابيين كونهم يحتمون بالدول التي منحتهم جنسيتها وتعتبرهم مواطنين يتمتّعون بالحقوق نفسها على غرار مواطنيها الأصليين.

غير أنّ ما يحصل من إعتداءات إرهابية، إن كان في لبنان أو في فرنسا، لم يعد بالإمكان السكوت عنه، على ما شدّدت الاوساط، خصوصاً وأنّ الإرهابيين يتمكّنون من تنفيذ مخططاتهم كافة، ويقومون بها بدمِ بارد، مقابل الوعد بلقاء 74 حورية في الجنّة، على أنّ لكلّ منها جوارٍ عدّة يدخلون ضمن نصيبه منها، وما الى ذلك من وعود واهية تأتي بعد غسل أدمغة الإنتحاريين، وتزويدهم بالمخدرات التي تجعلهم يقتلون الأبرياء من دون أي إحساس بالذنب. ولهذا يجب القيام بأكثر من الإدانة من قبل مجلس الأمن، واتخاذ قرارات جديدة وحاسمة للحدّ من الإرهاب الفعلي، كخطوة أولى، ومن ثمّ وضع خطة شاملة للقضاء على أسباب الإرهاب قبل القضاء على العناصر الإرهابية.